الفيلم الأمريكي ”أشياء يفعلها الناس” .. غوص نفسي في توترات ذات تتأرجح بين الضمير والحاجة

(نزار الفراوي)

مراكش- يأخذ الفيلم الأمريكي “أشياء يفعلها الناس” للمخرج سار كلاين، الذي يشارك في المسابقة الرسمية للدورة 14 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، المشاهد في رحلة غوص نفسي في توترات ذات يتجاذبها صوت الضمير وإملاء الحاجة الآنية التي تفرض نفسها خصوصا في أوضاع استثنائية.

ببطولة مطلقة للممثل الموهوب ويس بينتلي في دور بيل، يلتقط الفيلم، الأول في مسار سار كلاين، ظاهرة الأزمة المالية التي عصفت بشرائح واسعة من الأسر الأمريكية المتوسطة، ليسلط الضوء على الصراعات الداخلية التي تتخذ منحى الانفجار في لحظات المآزق الكبرى، حيث تكتسي مفاهيم الخير والشر، الاستقامة والخطيئة، معانٍ إشكالية.

يبسط الفيلم أرضية المعالجة الدرامية بحركة كاميرا مرحة في بيت موظف التأمينات بيل، حيث تلهو الأسرة داخل مسبح في خلفية المنزل، في أجواء رضا وانسجام … قبل أن تهب العاصفة. ذلك أن الرفاه الذي يفوق الوضع المهني والمادي الحقيقي لبيل سيتبخر بين ليلة وضحاها، بعد طرده من الشركة. يغرق رب الأسرة المتكونة من زوجة وطفلين في مشاكل وعقبات مادية تبدد السعادة وتجذبه شيئا فشيئا نحو العوالم المظلمة لذات رفضت الأمر الواقع وتخشى انهيار المشروع العائلي تحت وطأة الحاجة.

ولأن الأفكار السوداء تنتعش في لحظات الأزمة والعجز، فإن بيل، وللخروج من المأزق، ينحدر باطراد الى اقتراف عمليات سلب وسرقة تحت التهديد، باستعمال مسدس ورثه عن أبيه. يرسم الفيلم بذكاء مشهد مماثلة سلوكية بإسقاط حالة رب الأسرة المنحرف الى ممارسات فاسدة لا تنطبق على وجهه الاجتماعي الذي يحظى بالقبول والاحترام، على ذاكرة كامنة ومأساوية لسيرة أبيه، الشرطي الذي طرد من الوظيفة بعد تورطه في عمليات غير شرعية.

حينئذ يدفع الفيلم في اتجاه التساؤل عما اذا كان بيل سيحذو مصير والده، ليس فقط في الانحراف السلوكي، الذي غطى عليه بكذب متواصل على الزوجة والمحيط الاجتماعي، بل أيضاً في النزول الى قعر المستنقع من خلال الانتحار، كخلاص وحيد ممكن.

يستند التوتر الدرامي للعمل الى اقتدار البطل ويس بينتلي، في التعبير الجسدي والانفعالي عن هذا السفر الى الهاوية. من اللحظات القوية التي صعد فيها الفيلم التوتر النفسي لبيل، خضوعه لطقس مازوشي رهيب لتقريع الذات الخطاءة، بالنزول الى المسبح الذي سمم مياهه بأقراص كيماوية أدت الى تشنج حاد في أعصابه والتهاب جلدي بشع.

يقترح العمل منعطفا آخر يفسح للشخصية المحاصرة هامشا للتنفس، من خلال تفاعله مع شخصية صديقه، مفتش الشرطة الي لا يعرف شيئا عن وجهه الثاني وعملياته الإجرامية السرية. فالمفتش يصبح، بعد أن كشف حقيقة عمليات السرقة التي نفذها بيل، حريصا على توجيه صديقه نحو خيارات خلاصية غير المنحى الإجرامي الانتحاري الذي تورط فيه، لولا أن تستره على بيل لن يحل المشكلة، فبعد أن أعلن في الاعلام عن توقيف شاب بتهمة ارتكاب مجموعة عمليات سرقة، ليست الا من فعل يدي بيل، يتورط هذا الأخير في شعور حاد بالذنب. فهل يسلم نفسه ويترك أسرته للعراء، أم يضحي بالحقيقة من أجل تحقيق أحلام عائلته.

فضل المخرج أن يظل السؤال مفتوحا على التأويل والتخمين، بعد أن أسدل ستار الفيلم بمشهد توقف سيارة بيل أمام مركز الشرطة.

الحبكة القوية للفيلم وعمق الاقتراحات التعبيرية النفسية التي تضمنها تزكي الخلفية العلمية للمخرج سار كلاين، الذي درس علم النفس، كما أن سلاسة الانتقالات المشهدية تعكس تميز أداء هالك كوروين بالاشتراك مع المخرج الذي برز أساسا كمشرف على مونتاج العديد من الأفلام. فقد ترشح لنيل أوسكار أفضل مونتاج عن فيلم ” الخط الأحمر” لتيرنس ماليك ( 1999) و ” مشهور تقريبا” لكاميرون كرو (2001).