الحسين بن لحبيب .. المدرس الذي جمع بين سحر الغناء وشاعرية اللغة

الحسين بن لحبيب .. المدرس الذي جمع بين سحر الغناء وشاعرية اللغة

الأربعاء, 19 أكتوبر, 2016 - 10:51

 

                              (بقلم علي الحسني)

  الرشيدية –  بصدق تعبيره عن حالاته الوجدانية، انفعالاته وعواطفه، آماله وآلامه، التي يلحنها كلمات غنائية تنساب في عذوبتها وشجنها استطاع المدرس الحسين بن لحبيب ان يجعل من نفسه حالة انسانية تنتشي بترانيم  اللغة الشاعرة.

   على درب الفنان البلجيكي جاك بريل والموسيقار المصري فريد الاطرش سار بن لحبيب ابن مدينة بوذنيب (اقليم الرشيدية) حيث رسم بريشة اللحن والاداء معالم اعماله الغنائية التي تجاوزت في فلسفتها حدود الزمان والمكان كما يكشف في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء.

  عندما يقف بن لحبيب مدرس اللغة العربية والمعروف في الاوساط الفنية المحلية بعندليب الجنوب من أجل الغناء كي يعبر بصدق عن حبه وخيبات أمله، فإنه يتجاوز ذاتيته الى ما هو كوني وانساني، مما يضفي على غنائه لونا فريدا من التميز الذي يسمو به إلى مصاف الفنانين المرموقين.

   بين الرشيدية وبوذنيب والريصاني وكلميمة عاش ابن الحبيب، الموسيقار والملحن والموزع، طفولته في بيئة محافظة مكنته من حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ وقواعد اللغة العربية واستكمل دراسته الابتدائية وجزء من التعليم الثانوي التأهيلي، لينتقل بعدها لمرحلة الدراسة الجامعية بالرباط حيث حصل على الإجازة في الآداب العربية (الادب المقارن) ودبلوم الدراسات العليا في نفس الشعبة.

   “ترسخت موهبتي وتكويني الجامعي، يقول بن لحبيب، بمدينة الرباط حيث تمكنت من انجاز أبحاث في المجال الفني (الأغنية المغربية بين التراث والمعاصرة) وبحث عن المغني البلجيكي جاك بريل (الأوديبية في أغاني جاك بريل) مع المرحوم الأستاذ أمجد الطرابلسي (..) وتوجت أعمالي بتجربتين إذاعيتين بالإذاعة الوطنية الأولى حول “الأغنية المغربية ماضيا حاضرا، ومستقبلا” والثانية حول برنامج (منابع الطرب المغربي).

   البداية كانت موهبة فنية تأثرت بمحيطها لاستيعاب اللغة والحركات، والإشارات وتحسس الكلمة والجملة في معناها الشعري ومبناها اللحني إضافة إلى المحفوظات والأهازيج الشعبية والأناشيد المدرسية التي كان لها التأثير الكبير في تشكيل موهبتي الغنائية واللحنية إضافة إلى  أغاني الأفلام الهندية والأشرطة والأغاني الشرقية والمغربية، يقول بن لحبيب، حيث “كنت حريصا على حفظ كل الأغاني الجديدة الصادرة لكبار المطربين في المشرق والمغرب.”

   من يستمع الى ابداعاته الغنائية يكتشف وبدون عناء كبير ذلك المزيج بين المدارس العالمية اللحنية والمدارس التراثية المحلية (ما بين الطابعين الكلاسيكي والحداثي). فمعرفته الموسيقية الموسوعية كانت مزيجا بين ماهو مغربي ومشرقي، فمن مدرسة الموسيقار الراحل عبد السلام عامر وألحان حسن القدميري الى عبد القادر الراشدي وعبد الوهاب الدكالي، ومن المشرق، نهل خاصة من معين الموسيقار فريد الأطرش.

“افتحوا لي طريقا” و”الجوكاندا” و”قرأت سؤلا في عينيك” و” الفرحة كملات” و” مرحا بك يازينة” و”لو كنت كبيرة” و”جنوبية” و “رشداوية” وغيرها من الابداعات الفنية لابن لحبيب، أعمال تغنت بموضوعات مختلفة من الحب والمرأة الى الحنين والأم والغربة وصراع الذات ضمنها خياله الموسيقي والصور الشعرية من مجاز واستعارات نابعة من احساس الفنان الرومانسي.

   “وادي النعام” رائعة من بين روائع بن لحبيب كتابة ولحنا وأداء تغنى فيها، كما يقول الكاتب والباحث في التراث المحلي زايد جرو، بالأرض والأم والحياة وفلسفة الخلق وهي فضلا عن ذلك “عمل وجداني فلسفي يجسد الارتباط العميق والوثيق بين الأنا والأرض، رمز الخصب والعطاء في أساطير الانبعاث وتجدد الحياة، فرغم الاغتراب والتنقل والصراع الأبدي مع القوى الغيبية، وتغير الحياة من حال لحال، يظل حدث الميلاد والنشأة مرتبطا بالذاكرة التي ارتبطت معالمها بالوادي، الذي عاد إليه المبدع ليجدد شهادة ميلاده ليروي ظمأ الرحلة وعذابها الطويل”.

   شهادة ميلاده انتقلت، يضيف الباحث، عبر الوادي للأولاد الفرسان الذين يفخر بهم المكان، ويفخرون هم أيضا بجريان مياه الحياة فيه، فقد “عاد الميلاد والبعث للفضاء المكاني بدفء العودة الجماعية التي تجددت بالرحلة والتنقل والحركة في شكل متعامد مع التحول، والموسيقار يستحضر كل أساطير التجدد والانبعاث التي نهل منها الشاعر الحديث انطلاقا من صور بدر شاكر السياب من خلال غيلان ورموز السندباد وعوليس وطائر الفينيق وانتهاء بتعقد الرمز وتوظيف الأساطير عند أدونيس وصلاح عبد الصبور ومحمود درويش وغيرهم من الشعراء المعاصرين الذين كسروا البنية وجددوا الرؤية في الشعر العربي المعاصر”.

   بعودة المايسترو لوادي النعام، صحبة أولاده تجددت الحياة، فعاد الربيع للأجداد واستيقظوا للاستمتاع بأنشودة المطر، وبعثوا من جديد ليشهدوا ارتباط الحسين بن لحبيب بهويته وانتمائه فتحول رماد الفينيق لحياة جديدة ليستمر النشيد.

  “لي ثروة كبيرة من الأغاني تمتد من المرحلة الإعدادية إلى حدود الآن، لأن “الغناء هو اللغة الأخرى التي أتحدث بها بارتجالية، جملة ولحنا في عفوية وفطرة، يشير بن لحبيب “إلا أن المسجل منها ما يعادل أربعة ألبومات بتوزيع حداثي عالمي. وقد قررت، توزيع أعمالي الغنائية بداية من 2003 عندما التقيت أحمد المحجور الموسيقار المغربي المبدع صاحب التجربة الطويلة في العزف على عدة آلات وما يسترو ومسير لأجواق فيلارمونية وموزع لكبار المطربين في المشرق والمغرب وأوروبا”.

  بحكم تجرته الطويلة في عالم الفن والغناء تلقف احمد المحجور، يكشف بن لحبيب، “تجربتي وفهم ميولي الإبداعي، فقوم ما يمكن تقويمه، مهتما في ذلك بآرائي وأفكاري، كما كنت حريصا على الاستفادة من ملاحظاته، وانفتحت على فنانين آخرين فاستعنت بتجاربهم. “

   انتماؤه لآيت عطا إحدى قبائل جنوب شرق المغرب فجر أحاسيسه وموهبته “اعتز بانتمائي المغربي وإلى قبيلة آيت عطا التي تعود جذورها إلى مدينة أوفوس (الكارة). وقد انتقل اجدادي إلى القصور الشمالية بمدينة بوذنيب (قدوسة). “فمنذ طفولتي كنت أتدافع متنافسا مع أترابي كلما كانت هناك أجواء فلكلورية أمازيغية، محاولا تقليد الرقصات، بل واقتحامي صفوف الكبار مؤديا مقاطع من أحيدوس..أحفظ منذ طفولتي بعض الأغاني الأمازيغية لكبار الفنانين كموحى أموزون و موحى أبابا و الغازي بناصر و بن ناصر أخويا وحادة أعكي وأحوزار ومحمد رويشة.

   “إن كثيرا من الاستلهامات اللحنية في ألبوماتي، يضيف بن لحبيب، مستوحاة من التراث الأمازيغي، بتقنيات لحنية متعددة منها الاستهلال بمقاطع ومواويل أمازيغية، ومنها أغاني شبه كاملة باللغة الأمازيغية، موزعة توزيعا أركستراليا حداثيا”.

  آهات حزينة بدون موسيقى ولا ألحان عنوان لتجربة بن لحبيب الغنائية، كما يحكي الفنان، والتي انطلقت منذ سبعينيات القرن الماضي “ذهبت كصيحة في واد أو نفخة في رماد، بين حلم وحقيقة، لعل القادم من الايام يزهر ورودا رغم سخرية الزمان”.

اقرأ أيضا

خمس إصابات جديدة بـ “كوفيد-19” (النشرة الأسبوعية)

الجمعة, 26 يوليو, 2024 في 17:29

أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، اليوم الجمعة، عن تسجيل خمس إصابات جديدة بـ”كوفيد-19″ وحالة وفاة واحدة، خلال الفترة ما بين 20 و 26 يوليوز الجاري.

طنجة .. افتتاح القنصلية الفخرية لسويسرا

الجمعة, 26 يوليو, 2024 في 16:24

افتتحت اليوم الجمعة بطنجة القنصلية الفخرية لسويسرا والتي ستغطي جهتي طنجة-تطوان-الحسيمة والشرق، بحضور دبلوماسيين ومسؤولين جهويين ومحليين وشخصيات أخرى.

موسم أصيلة الثقافي الدولي : معرض جماعي للأعمال المنجزة ضمن المشاغل الفنية خلال الدورة الصيفية

الجمعة, 26 يوليو, 2024 في 15:48

افتتح مساء الخميس معرض جماعي لأعمال المشاغل الفنية المقامة ضمن فعاليات الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الخامس والأربعين، بحضور كوكبة من الفنانين والمبدعين والنقاد ومحبي الفن.