الاستدامة، التحدي الأكبر للهندسة السياحية

( إعداد مليكة مجاهد)

الرباط – وضع المغرب، الذي حدد كهدف له أن يكون ضمن أفضل 20 وجهة سياحية في العالم وأن يشكل مرجعا في مجال السياحة المستدامة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا في أفق 2020، خارطة طريق لهندسة المنتجات السياحية المستدامة، التي تعتبر رافعة للتثمين الأمثل للموارد المجالية.

وتتجسد هذه المقاربة من خلال المشاريع الكبرى المهيكلة التي أطلقتها المملكة والمستوحاة من فلسفة التنمية المستدامة التي تشمل كافة أشكال السياحة المحترمة للبيئة والحريصة على رفاهية الساكنة المضيفة.

وتهدف هذه الفلسفة، التي يشكل الابتكار أحد مفاهيمها الرئيسية، إلى خلق دينامية تنموية تعود بالنفع في مجال السياحة بالمغرب.

ويشكل التراث الطبيعي والثقافي المحلي، المتسم بأصالته وأسسه الإيكولوجية، مقوم السياحة المادية واللامادية لكافة مناطق المملكة، التي تحتضن مجالات سياحية متجانسة ومتنوعة ومستدامة.

وهكذا ، تحولت العديد من المواقع إلى منتجات سياحية مستدامة، لتصبح مصادر للانفتاح ولتأهيل الفضاءات الطبيعية والثقافات المحلية، وكذا لتحسين الظروف المعيشية للساكنة المحلية من خلال خلق البنيات التحتية للنقل ، وتحسين الخدمات العامة وإطار العيش وفك العزلة عن المناطق القروية.

وتعكس العديد من المشاريع التي ترتكز على الاستدامة هذه الرؤية ، منها، على الخصوص، المشروع المهيكل للحدائق المسقية بالماء المعالج بمحطة موغادور واستعمال الماء المعاد تدويره على مستوى 8 ملاعب للغولف من أصل 13 ملعبا بمراكش.

وفي هذا السياق، أكد السيد محمد أضرضور، أستاذ باحث متخصص في التنمية المجالية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه “إذا كانت بعض المنتجات السياحية وصورة المغرب مرتبطة بشكل وثيق بالشمس والشواطئ، فإن بعض المشاريع تكيفت مع تطور أذواق المستهلكين ” .

وأضاف أن الرهان هو ضمان اندماج الموقع السياحي وخصوصيته وفقا للرؤية الاستراتيجية لتنمية قطاع السياحة القائمة على مبادئ موحدة للسياحة المستدامة، منها الحفاظ على الفضاءات الطبيعية والتراث الثقافي، وأيضا الإشراك الكامل والفاعل للساكنة المحلية، لكي تكون المستفيد الأول من المشروع.

وأبرز السيد أضرضور “أن وضع وتنفيذ المشاريع السياحية يجب أن يأخذا بعين الاعتبار بعض المعايير المحددة من أجل ضمان استعمال معقول للموارد المحلية “.

وفي هذا السياق، تم بذل مجهود مهم من أجل تحسين جودة السياحة على مستوى الخدمات والبنيات التحتية والتكوين وتنويع المقاربات من أجل جعل السائح يستفيد من تجربة فريدة بالمغرب، المعروف بمناخه وجمال مواقعه الطبيعية وتراثه الثقافي.

وقال السيد أضرضور، في هذا الصدد، “إن السياحة الوطنية تتهيكل وتتحول إلى محفز للتنمية المستدامة، بشراكة مع فاعلين منتجين قادرين في الوقت نفسه على الانخراط محليا والأخذ بعين الاعتبار الإكراهات القوية في مجال القدرة التنافسية والاستدامة و المسؤولية الاجتماعية”، مضيفا “أن نجاح هذا الرهان يتوقف على استمرار الحوار حول التحديات التي تواجه القطاع على المستوى العالمي والبحر الأبيض المتوسط”.

وفي هذا الصدد، فإن الجمعية المغربية للهندسة السياحية ستنظم بعد غد الثلاثاء بالرباط الدورة الأولى لمنتدى الهندسة السياحية، وهو حدث هام من أجل التواصل والحوار  مع كافة الفاعلين في القطاع بالمغرب والخارج، وتقديم التجارب الناجحة وتقاسمها مع زملائهم من البحر الأبيض المتوسط  وافريقيا من أجل إعادة تشكيل الوجهات المحلية وإرساء أسس تنمية سياحية مستدامة ناجحة.

وبالنظر إلى انخراطه في مسلسل الاستدامة والاستفادة من تجربته المتواضعة التي تجسد إرادته في تطوير سياحته وفق مبادئ سياحة مستدامة ومسؤولة، اقترح المغرب، مؤخرا ، بلورة واعتماد ” ميثاق افريقي للسياحة المستدامة “،  من المرتقب التوقيع على نسخته النهائية من طرف وزراء السياحة الأفارقة خلال (كوب 22 ) المتوقع انعقاده في نونبر المقبل بمراكش .

ويعد هذا الميثاق بمثابة مرجعية لزيادة وعي كافة الأطراف الإفريقية المعنية من أجل الالتفاف حول نهج استدامة السياحة على المستوى الافريقي وإطلاق إطار موحد لجهودهم. ويشمل المبادئ العامة لتعزيز السياحة المستدامة في افريقيا، وتوجيهات لفائدة السلطات الحكومية، وممارسات جيدة للاستدامة التي يتعين احترامها من طرف الفاعلين السياحيين ومسؤولية الالتزام من طرف السياح.
وفي السياق ذاته، سيم إنشاء شبكة الهندسة السياحية الافريقية والمتوسطية من طرف المغرب بمناسبة هذا المنتدى، والتي تهدف إلى تعزيز مهن الهندسة السياحية، وتثمين دورها في التنمية المجالية والاقتصادية والاجتماعية وتأكيد الانتماء الافريقي للمغرب والتزامه بالعمل مع كافة الدول الافريقية لتنمية القارة.