ارتفاع حدة التوتر بين واشنطن وبوينوس أيرس على خلفية الديون المستحقة لهيئتين ماليتين أمريكيتين

(بقلم : محمد بنمسعود)

بوينوس أيرس – بعد حوالي شهر عن رفع الأرجنتين دعوى ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي بشأن النزاع القائم بين بوينوس أيرس وهيئتين ماليتين أمريكيتين تحوزان ديونا أرجنتينية، بدأت حدة التوتر بين البلدين على خلفية هذا النزاع في الارتفاع مع بداية الأسبوع الحالي.فقد استدعت بوينوس أيرس يوم الاثنين الماضي القائم بالأعمال بالسفارة الأمريكية، كيفين سوليفان، إلى وزارة العلاقات الخارجية الأرجنتينية لتقديم توضيحات بشأن تصريحات أوردتها الصحافة المحلية بخصوص النزاع القائم بين الحكومة الأرجنتينية والهيئتين الأمريكيتين “إن إم إل كابتل” و”أوروليوز ماناجمنت” اللتين صدر لصالحهما حكم بإلزام الأرجنتين بتمكينهما من كامل مستحقاتهما البالغة 33ر1 مليار دولار والمصنفتين ضمن خانة ما ينعت ب”المؤسسات العقبان”، وهو الوصف الذي دأبت الأوساط المالية على إطلاقه على المؤسسات المالية والسياسية التي تتحين الفرص لشراء سندات الديون والمضاربة عليها.
وكانت صحيفة (كلارين) نقلت عن الدبلوماسي الأمريكي، الذي يتولى رئاسة الممثلية الدبلوماسية لبلاده منذ يوليوز 2013 في انتظار وصول السفير الأمريكي الجديد، أنه “من المهم بالنسبة للأرجنتين الخروج في أقرب وقت من وضعية العجز عن السداد لتتمكن مجددا من العودة إلى طريق النمو وجذب الاستثمارات التي تحتاجها”.
وقد قوبلت تصريحات الدبلوماسي الأمريكي، الذي دعا بوينوس أيرس أيضا إلى تنفيذ قرار القضاء الأمريكي، الذي يلزمها بأداء كامل مستحقات الهيئتين الأمريكيتين، باستياء كبير من قبل الحكومة الأرجنتينية التي بادرت إلى استدعائه على وجه الاستعجال إلى وزارة العلاقات الخارجية.
وترفض الأرجنتين الاعتراف بكونها توجد في وضعية عدم القدرة على سداد ديونها وتتهم القضاء الأمريكي بمحاولة جعلها في هذه الوضعية من خلال تجميد أموال أرجنتينية بنيويورك كانت مخصصة لسداد مستحقات دائنين خواص آخرين وذلك لإرغامها على تمكين الهيئتين الأمريكيتين من مبلغ 33ر1 مليار دولار قبل أداء مستحقات الدائنين الخواص.
وأوضح بلاغ لوزارة العلاقات الخارجية الأرجنتينية أن رئيس الدبلوماسية الأرجنتينية، هيكتور تيميرمان، أعرب، خلال لقائه بسوليفان، عن “الامتعاض العميق والرفض الشديد للحكومة الأرجنتينية للتصريحات غير اللائقة للدبلوماسي الأمريكي”، وهدد باتخاذ “إجراءات أشد” في حال تماديه في التدخل في الشؤون الداخلية للأرجنتين ملمحا بالخصوص إلى احتمال طرده.
ووفقا لوسائل الإعلام المحلية، فإنه بالرغم من أنها المرة الأولى التي هددت فيها بوينوس أيرس بشكل شبه علني بطرد دبلوماسي أمريكي من مستوى عال، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تبد أي رد فعل على البلاغ حرصا منها على عدم ارتفاع حدة التوتر مع الأرجنتين.
وقد اتهمت بوينوس أيرس بشكل مباشر واشنطن بالتواطؤ مع الهيئتين الماليتين الأمريكيتين من أجل عرقلة مخططها لإعادة هيكلة الديون المستحقة لدائنين خواص قبلوا، في سنتي 2005 و 2010 ، أي بعد الأزمة المالية التي عصفت بالأرجنتين سنة 2001 ، إلغاء 70 بالمائة من ديونهم.
إن بوينوس أيرس، يقول وزير العلاقات الخارجية الأرجنتيني، “ليست في وضعية عدم القدرة على سداد ديون الولايات المتحدة أو أي بلد آخر”، معربا، في الوقت ذاته، عن أسفه لكون واشنطن “لم تبد تعاونا” خلال المفاوضات مع الهيئتين الأمريكيتين.
وتحاول وسائل الإعلام الأرجنتينية المقربة من المعارضة التقليل من أهمية هذا الحادث، في وقت يرى فيه بعض المراقبين أن العلاقات بين البلدين تشهد توترا جديدا بعد الأزمة التي اندلعت بينهما في فبراير 2011 على إثر اكتشاف معدات غير مصرح بها على متن طائرة عسكرية أمريكية ببوينوس أيرس.
وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة (كلارين)، في أحد مقالاتها التحليلية، نشرته يوم الأربعاء الماضي، أن الحكومة الأرجنتينية تهدف من خلال استدعاء الدبلوماسي الأمريكي إلى الحصول على دعم المجتمع الدولي لها في نزاعها مع الهيئتين الأمريكيتين، عشية الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ينتظر أن تلقي خلالها الرئيسة الأرجنتينية، كريستينا كيرشنر، كلمة تتطرق فيها إلى عدد من القضايا من بينها مشكل مديونية بلدها.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة صادقت، في الأسبوع الأخير، على توصية تقدمت بها الأرجنتين إلى “مجموعة ال77 زائد الصين” تهدف إلى إرساء أسس تنظيم  لإعادة هيكلة الديون السيادية يحول دون قيام أقلية من الدائنين بعرقلة مسلسل سداد الديون الذي ينخرط فيه أغلب الدائنين.
وقد صوت ممثلو الولايات المتحدة وحوالي عشرة بلدان أخرى، من بينها المملكة المتحدة، ضد هذه التوصية، معتبرين إياها مساسا باستقرار الأسواق المالية وبكون مشكل المديونية السيادية من اختصاص صندوق النقد الدولي الذي تشهد علاقاته مع الأرجنتين جمودا منذ سنوات.
وفي تقدير صحيفة (لاناثيون) فإن مبادرة بوينوس أيرس تروم لفت انتباه الرأي العام المحلي إلى خطورة الوضعية الاقتصادية في البلاد التي تشهد ركودا اقتصاديا وانخفاضا غير مسبوق في احتياطها من العملة الصعبة.
ويذكر أنه سبق للأرجنتين أن تقدمت، في 11 غشت الماضي، بدعوى في الموضوع لدى محكمة العدل الدولية بلاهاي ضد الولايات المتحدة، مثيرة، بالخصوص، مسألة المساس بسيادتها، إلا أن البت في هذه الدعوى غير ممكن نظرا لعدم اعتراف الولايات المتحدة بهذه الهيئة القضائية الدولية.
ومما جاء في أحد تصريحات الرئيسة الأرجنتينية، مؤخرا، أن “قاضيا أمريكيا يهدد سيادة بلد قام بإيداع مبلغ 539 مليون دولار لسداد ديونه. وأنه من غير المشروع تجميد هذه الأموال”، في إشارة إلى قرار القاضي طوماس غرييسا الذي أمر بتجميد هذه الأموال المودعة، في 26 يونيو الماضي، بأحد البنوك الأمريكية، وعدم التصرف فيها قبل أداء مستحقات الهيئتين الأمريكيتين.
وحسب رئيس الحكومة الأرجنتينية، خورخي كابيتانيش، فإن الأمر يعتبر “مساسا بسيادة وحصانة بلد وأنه لهذا السبب تم رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي”.
وتجدر الإشارة إلى أن رفض بوينوس أيرس تنفيذ قرار القضاء الأمريكي يمليه أيضا تخوفها من أن يدفع ذلك الدائنين الخواص الذين سبق لهم قبول التنازل عن جزء من ديونهم إلى المطالبة بديونهم كاملة وحينها سيكون عليها أداء 120 مليار دولار إضافية في وقت تعاني فيه من نقص حاد في احتياطها من العملة الصعبة.