إبداع فني خليجي يثبت نجاعته كمضاد حيوي لفيروس الطائفية القاتل

إبداع فني خليجي يثبت نجاعته كمضاد حيوي لفيروس الطائفية القاتل

الأربعاء, 15 يونيو, 2016 - 11:41

أحمد الطاهري

المنامة-  انطلاقا من فكرة بسيطة، وفي قالب كوميدي – درامي متقن للغاية، أثبت إبداع فني خليجي نجاعته كمضاد حيوي لفيروس الطائفية القاتل، في زمن “الهبوط الفني” حيث تعج القنوات العربية بأعمال توسم في سيل انتقادات عارم، بالسطحية والرداءة، وبالعمل على إعادة إنتاج الواقع في شتى أشكال نمطيته المعيبة، فكرا وسلوكا.

لقد أحدثت حلقة (على مذهبك) المثيرة والجريئة التي بثتها الأسبوع الماضي قناة (إم بي سي) ضمن برنامج (سيلفي) للفنان السعودي ناصر القصبي، “رجة” داخل المجتمعات الخليجية، كما عكست ذلك مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة المحلية، خاصة في مملكة البحرين، كونها عرت طرق تفكير وسلوك، وواقع انقسام وتشرذم وإقصاء، وحالة انعزال وتقوقع على الذات، وانفصام في الشخصية، ما فتئت تغذيها قنوات تبث برامج مسمومة ليل نهار.

  وضعت الحلقة أصبعها على جرح الطائفية النازف. حركت رواسب الظاهرة ومخلفاتها الموجعة، وفضحت أشكال غلوها وتطرفها في واقع بائس ينزع عن الإنسان شرط وجوده الإنساني ككائن فاعل، كما يجب، داخل دولة مدنية مطبوعة بالاختلاف وضمن بيئة اجتماعية منسجمة يضبطها القانون قبل الأعراف، ويجعله فريسة سلوكيات ومعتقدات طائفية تعمق خطر الاصطفاف والانشقاق داخل المجتمع.

  تدور أحداث الحلقة حول خطأ غير متعمد حصل في قسم الولادة بأحد المستشفيات، حيث تم استبدال مولودين لعائلتين مختلفتي المذهب، لتتولى بذلك كل عائلة تنشئة طفل العائلة الأخرى وفق مذهبها، قبل أن يكتشف الخطأ بعد عشرين سنة ويتم إثبات النسب بواسطة فحص الحمض النووي.

  وجاءت النتيجة القاطعة بيولوجيا “صادمة” للغاية بالنسبة لأولياء العائلتين: “يزيد” هو ولد “حسين”، وعبد الزهراء” هو ولد “عمر”!.

  قوبلت الحقيقة بمواقف هستيرية رافضة من كلا الطرفين، كونهما يتقوقعان داخل فضائهما الاجتماعي العقائدي “المحصن” بقوة الواقع.. التنشئة الدينية في هذه الحالة تسمو عن الإثبات البيولوجي للنسب. تلك التنشئة التي كرست الولد “يزيد” نمطا مفضلا لسلالة العائلة (السنية)، والولد “عبد الزهراء” نموذجا مثاليا لنشء العائلة (الشيعية)!

  اضطرارا، “يمتص” أولياء العائلتين وقع “الصدمة”، وينتقل كل ولد إلى أسرته البيولوجية متشبعا بما تلقاه من تربية مغايرة للتربية المعتمدة لدى “الجهة” الأخرى، لتبرز في مشاهد درامية عدة، “معاناة” كل عائلة في مسلسل “إعادة برمجة” ابنها و”تنميطه” وفق مذهبها “الخاص جدا” بها، و”الحكر حصرا” عليها!. 

 بعد تسلمه، يطلب رب العائلة (الشيعية) من ابنه “العائد من الضلال” حفظ مجموعة من الأسطوانات والأشرطة حول “أهل البيت”، ويدعوه إلى زيارة الأماكن المقدسة في العراق، وتعلم الصلاة والصوم “الصحيحين” في الحسينية، سيرا على نهج “الإسلام المحمدي الصحيح”!، كما يطلب منه التدرب على ممارسة الشعائر الحسينية.

  وبالمقابل، يقول رب العائلة (السنية) لابنه “الضال” سابقا، إن كل ما حفظه لدى الطرف الآخر مجرد “ضلال في ضلال”!، وإن الصحيح هو أن يحفظ (صحيح البخاري). كما يطلب منه صوم ثلاثمائة يوم “تقويما” لممارسته السابقة، و”تصويب” طريقة الصلاة “الخاطئة” كما شاهده كيف يؤديها، وذلك بعد “تجديد” الوضوء!

  من أبرز مشاهد الحلقة، مشهد “العلامة آيت الله الناصر القصيباني قدس الله سره”، وهو يخطب فوق منبر أمام الناس، معتبرا أن “ما من أحد موالي أو على طريق الحق، وهو ينكر الشعائر الحسينية أو يحاربها..”!، وأنه “لا يشم رائحة الجنة من لا يؤدي كل الشعائر الحسينية..”!، معددا إياها واحدة واحدة!

  بالمقابل، يحذر شيخ في مجلس لدى العائلة (السنية) من “خطر الرافضة”، التي يعتبرها “أشد خبثا من جميع الفرق الأخرى”، مشددا على أن “تمام العقيدة وصفائها يستوجبان علينا بغضهم، بل الإنكار عليهم لبغضهم وشتمهم لصحابة رسول الله ..”!.

  في المشهد التراتيجي إياه، يسارع الشيخ إلى قمع رد لابن العائلة “الضال” لدى الآخرين، نبه فيه إلى أن التطرف موجود لدى الطرفين على حد سواء، زاجرا إياه بالقول: “الروافض تمكنوا من قلبك.. هم ليسوا أهلك.. لقد كنت في ابتلاء..”!

  تصور الحلقة بطريقة متوازنة وفي قالب كوميدي – درامي يثير الضحك والأسى في آن، الحرب الطاحنة بين الغلاة المتطرفين لدى الطرفين (الشيعي) و(السني) معا.. أولئك المتمترسون وراء ما يعتبرونه مذهبا ثابتا قويما، ونهجا راسخا مبجلا، إلا أنها تفتح كوة ضوء في ظلام الطائفية الدامس.

  تنتهي الحلقة بحديث أنيس بين “يزيد” و”أبو الزهراء”، يسخران فيه من واقع بغيض ورطا فيه عنوة وفرض عليهما فرضا.. حديث طليق يعبران فيه عن مشاعر أخوية – إنسانية ترفض واقع “الطأفنة” المؤثث بوهم “منهج الحق” و”السلوك الديني الصحيح”، والعاج بمظاهر التجريح والتحقير والاستخفاف بالآخر.

  حديث شفاف بين أخوين في الرضاعة يطلق بارقة أمل عند أجيال نشأت على مذاهب دينية اختارها أهاليها، وبات عليها أن تقاوم شتى مظاهر الكراهية والتطرف، وأشكال التخلف والرجعية، الكابحة لفضاء الحرية وعجلة التقدم.

  بارقة أمل تشرع الأبواب أمام الضرورة المجتمعية الآنية والمستعجلة، المتمثلة في النضال باستماتة قوية وإرادة لا تلين، من أجل اجتثاث فكر متخلف وسلوك ظلامي، أغرقا أكثر من بقعة في العالم العربي والإسلامي في مستنقع الاحتراب والدم، في ظل انحطاط فكري وثقافي غير مسبوق، أوجد بيئة حاضنة للمتاجرين بالدين، ولعتاة القتلة والمجرمين المنتهكين باسمه لكرامة الإنسان والمستبيحين لحرمة الأوطان.

 

 

 

اقرأ أيضا

إفران: تدبير الذكاء الاصطناعي في قلب النقاش بجامعة الأخوين الصيفية

الأربعاء, 24 يوليو, 2024 في 10:54

تواصلت أعمال الدورة الثانية للجامعة الصيفية للأخوين بإفران، المنظمة من 21 يوليوز إلى 26 منه تحت شعار “سد فجوة الكفاءات في تدبير منتجات الذكاء الاصطناعي”، أمس الثلاثاء، بمشاركة مختصين من المغرب والخارج.

عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) بلغ 78.4 مليون زبون عند متم يونيو 2024

الأربعاء, 24 يوليو, 2024 في 10:50

بلغ عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) 78,4 مليون زبون، عند متم شهر يونيو 2024، بزيادة بنسبة 5.1 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.

بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر

الأربعاء, 24 يوليو, 2024 في 10:47

استهلت بورصة الدار البيضاء تداولاتها اليوم الأربعاء على وقع الأخضر، حيث سجل مؤشرها الرئيسي “مازي” تقدما بنسبة 0,54% ليستقر عند 13.676,61 نقطة.