أليكس دولابارط و” آخر ضربة بالمطرقة”.. موهبة إخراجية واعدة في سماء السينما الفرنسية

( نزار الفراوي)

مراكش – في ثاني أفلامها الطويلة، تبرهن المخرجة الفرنسية أليكس دولابارط عن حساسية إبداعية راقية ونضج مبكر في تملك اللغة السينمائية يبشر بمسار واعد لموهبة ستوقع شهادة تميزها في مستقبل السينما الفرنسية الجديدة.“آخر ضربة بالمطرقة”، الفيلم الذي عرض مساء أمس السبت بمراكش في اطار عروض المسابقة الرسمية للدورة 14 للمهرجان الدولي للفيلم، سخي بالجماليات السردية، وتماسك مكوناته الدرامية وعمقه الإنساني والأخلاقي، يعطي الكلمة لأوجاع ضياع وألم، ورغبة مشروعة أيضا لرفع تحدي الاستمرار والتمسك بالحياة، ولو في أوضاع صعبة.

ولعل الأداء المدهش لبطل الفيلم، الطفل فيكتور (رومان بول) بقدر ما يثير الإعجاب بطاقة تعبيرية فتية واحترافية، يعكس موهبة المخرجة وكاتبة السيناريو الفرنسية في إدارة الممثل، التي عبرت عن نفسها أيضا في رسم وتحديد دوائر تحرك الشخصيات وتشكيل الكيانات النفسية للشخوص بانكساراتها وآلامها العميقة.

تلاحق الكاميرا، بمرونة وحركة يدوية متوترة وجه فيكتور وانفعالاته وتعابير التيه والاحتقان، هو الضائع الخائف على أمه المترنحة بمرض عضال، الرافض لفكرة الانتقال للعيش رفقة جديه والتخلي بالتالي عن حلم الالتحاق بمركز للتكوين في كرة القدم، والذي يجد مع ذلك متنفسا لدى أسرة مهاجرة في الجوار، قبل أن يتعرف على عالم والده الطبيعي الذي لم يعترف قط به، عالم الموسيقى، وسحرها الأثيري المدهش وغير المفهوم.

نفس العناية برسم تفاصيل الشخصيات طبعت والدة فيكتور، الأم الشابة ناديا، التي تعيش بشعور رحيل يدنو وتسعى للاطمئنان على مستقبل ابنها، ووالده، المايسترو العائد لإدارة فرقة فنية بمونبولييه، الذي بدا فظا غير مستعد لاكتشاف وجود ابن متخلى عنه، جاء ليلتقيه داخل الأوبرا التي يجري فيها تمارينه مع الفرقة، لكنه لا يلبث أن يستسلم شيئا فشيئا لنداء أبوة كامن في الأعماق.

“آخر ضربة بالمطرقة” عنوان فصل من السمفونية السادسة لماهلر، التي يتدرب عليها المايسترو صامويل، الوالد. يقيم سيناريو الفيلم الذي كتبته المخرجة رفقة ألان لوهنري تناصا بين المعزوفة التي ألفها ماهلر بإحساس قدر مفجع يلوح في السماء، والحالة الأسرية المتفككة والمكشوفة على الفقر المادي والمعنوي، في ضاحية قروية لمدينة فرنسية. على أن العالم السحري للموسيقى سيفتح أمام فيكتور فرصة استعادة تدريجية لوالده ، بما يشكله من ضمانة أمان مادي ومعنوي، وفي نفس الوقت تغذية إرادته برغبة في ربح تحدي الصمود وتحمل مسؤولية المستقبل ولو باكرا، هو الذي وجد نفسه حاملا وراثيا لأخطاء الكبار.

من الملفت أن ضيق الفضاء الذي تدور فيه القصة ومحدودية نطاق التفاعل بين الشخصيات لم ينل إطلاقا من قوة إيقاع العمل وتساند وقائعه، في تمايز بين بروفايلات تعاني في صمت ثقيل وتنوء بجراح الماضي التي يرثها طفل شديد الوعي بوضعه المكشوف، لا يخرقه ويتجاوزه الا في رقعة ملعب الكرة. من جهته، يخفي الموسيقار صامويل هشاشته الكامنة خلف قناع الجدية والصرامة في مسرح التمارين، بينما تمثل” ناديا” دور التماسك والتظاهر بالحياة في انتظار الموت.

يفترض ألا يكون فيلم “آخر ضربة بالمطرقة” مفاجأة للنقاد المتابعين للتجارب الجديدة في السينما الفرنسية، وخصوصا لأعمال المخرجة التي لم تمر مرور الكرام، وهي التي نالت بأول فيلم قصير لها “كما لو نفرمل في منحدر” جائزة الأسد الفضي للفيلم القصير في مهرجان البندقية سنة 2006، وقوبل فيلمها الطويل الأول ” أنجيلا وتومي” عام 2010، بترحيب نقدي كبير في فرنسا، بل حصل بطلا العمل على جائزتي سيزار.

يذكر أن الدورة 14 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش تتواصل لدى غاية 13 دجنبر بمشاركة 15 فيلما تمثل تجارب وأساليب سينمائية متنوعة.