مغاربة العالم.. رؤى متقاطعة في كوبنهاغن حول الولوج إلى العدالة

كوبنهاجن -عمر عاشي – شكلت مدونة الأسرة وما تتضمنه من إجراءات تخص الزواج والطلاق، وكذا ثقل التقاليد والأعراف والمعايير التي تحكم الميراث ورعاية الأطفال، فضلا عن دور القنصليات في المساعدة القانونية والتقدم الذي تم إحرازه في مجال تكريس المساواة، وقواعد نظام الأحوال الشخصية العبرية المغربية، والمساطر الجديدة للصلح والوساطة، محور نقاش عميق بكوبنهاغن.

ففي إطار مشروع الشراكة القائم منذ سنة 2006 بين المغرب والدنمارك، التقى نخبة من رجال القانون والقضاة والجامعيين والفاعلين الجمعويين بكلا البلدين أمس الخميس واليوم الجمعة لمناقشة موضوع ولوج المرأة إلى العدالة، مع التركيز بشكل خاص على التحديات والإكراهات التي تواجه المواطنين المغاربة المقيمين في جميع أنحاء العالم.

وفي هذا الصدد، شددت القانونية، ليلى حنفي، على أن مدونة الأسرة تعتبر إحدى قوانين الأسرة الأكثر تقدما في العالم العربي والإسلامي، غير أنه لا يتم استيعابها بالقدر الكافي في بعض الأحيان، مما يطرح قضية الولوج إلى القانون، خاصة بالنسبة للنساء، مشيرة إلى أن هذا التحدي مطروح بشدة أمام المغاربة المقيمين في الخارج.

وركزت الخبيرة المغربية بجامعة جورج تاون، خلال تطرقها وتحليلها لمقتضيات مدونة الأسرة وحصيلتها بعد عشر سنوات من دخولها حيز التنفيذ سنة 2004 ، على الخصوص على العوائق الاجتماعية والمؤسساتية التي تحد، حسب رأيها، من قدرة المرأة على ممارسة كامل حقوقها.

واعتبر ثلاثة متدخلين آخرين، والذين قدموا تصورهم حول الوضع في بلدان إقامتهم (الدنمارك وإسبانيا وفرنسا)، أنه بعيدا عن خصوصيات بلدان الاستقبال، فإن عدم أو قلة الوعي بأحكام المدونة في صفوف أفراد الجالية المغربية في الخارج، يكون في بعض الأحيان، مصدر العديد من أوجه القصور أو عدم النفاذ أو سوء التعامل.

وانطلاقا من دراسات لحالات وشهادات معبر عنها، أشارت كل من هدى زكري من كلية الحقوق بغرناطة، ونعيمة كورشي من المنتدى الدولي (إفريقيا النساء) وحكيمة لخريسي من مركز كوبنهاغن للنساء المهاجرات، إلى الصعوبات التي تواجهها المرأة سواء أثناء إبرام عقد الزواج أو في حالة الطلاق أو من أجل حماية حقوقهن أو حقوق الأطفال، مشيرات إلى أن النساء غالبا ما يقعن في متاهة بين أحكام مدونة الأسرة المغربية والقوانين المتبعة في بلد الإقامة.

كما ركز القضاة الذين يمثلون العديد من محاكم المملكة على الالتزام الصارم للسلطة القضائية من أجل التطبيق العادل لمقتضيات مدونة الأسرة ضمن مسار حماية الأسرة، التي تعتبر حقوق المرأة حجر الزاوية فيها.

وأبرزوا أن المغرب، المنخرط في نقاش عميق حول إصلاح القضاء والذي صادق مؤخرا على سلسلة من الآليات الدولية في مجال حماية حقوق المرأة، عازم على تحسين ترسانته القانونية وضمان الولوج العادل لجميع المتقاضين المغاربة للعدالة سواء داخل المغرب أو في بلدان الإقامة.

وشكل النقاش المخصص لمسطرة الصلح والوساطة، التي تعتبر أداة فعالة للحد من التفكك الأسري الناجم عن الطلاق، مناسبة للقيام بمقارنة بين التجارب التي أجريت في هذا الاتجاه سواء في المغرب أو الدنمارك.

ومن بين المتدخلين نادية مزاوير، وهي قاضية في المحكمة الاجتماعية بالدار البيضاء، وحميد فضلي رئيس المحكمة الابتدائية بشفشاون وليز دولنر مستشارة في التنمية، التي وصفت الشراكة المغربية الدنماركية في هذا المجال بالنموذجية.

كما تم التطرق خلال هذا اللقاء الذي ناقش مدونة الأسرة إلى المكون العبري للهوية المغربية. وفي هذا الصدد، سلط كل من الأستاذ جوشيا صابيح من جامعة كوبنهاغن، وجيسيكا مايا مارغلين من جامعة كاليفورنيا، الضوء على القانون العبري الذي يحكم منذ فترة طويلة قانون الأسرة بالنسبة للمواطنين المغاربة اليهود.

وذكر السيد صابيح بأن المحاكم اليهودية في المغرب كانت مؤسسات حيوية تعالج أغلب الشؤون القانونية للطائفة اليهودية، وعلى الخصوص قضايا قانون الأسرة، بما في ذلك الطلاق والزواج والإرث، مشيرا إلى أنه يقع على عاتق السلطات العمومية وأفراد الجالية المغربية في الخارج من جميع الديانات، مسؤولة التحسيس بالقوانين والعمل من أجل تطبيقها، وإذا لزم الأمر، تحسينها، وذلك بغية ولوج الجميع بشكل عادل للعدالة.

ويأتي تنظيم هذا اللقاء في العاصمة الدنماركية بعد اللقاء الذي نظم السنة الماضية في الرباط حول مدونة الأسرة في المغرب بعد عقد من تطبيقها.