معجم “الصحيح في ما خرج من كلام فصيح باللسان المغربي الفسيح” لعبد الحكيم الهلالي.. سفر أكاديمي في ثنايا العامية المغربية

الرباط – يقدم معجم “الصحيح في مَا خَرَجَ من كلام فصيح باللسان المغربي الفسيح”، لمؤلفه الكاتب والشاعر المغربي عبد الحكيم الهلالي، سفرا أكاديميا في ثنايا العامية المغربية تنقيبا عما يشكل أصولها في الفصيح من اللغة العربية.

ويشكل هذا السفر المعرفي، في طياته، جهدا بحثيا أكاديميا لإنصاف الدارجة المغربية، باعتبارها أحد روافد التراث اللغوي الوطني، وجزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية في شموليتها وتعدديتها الثقافية وعمقها العربي.

ومن خلال هذا المعجم، الذي يقع في 462 صفحة (إصدار 2023)، يضع المؤلف بين يدي الباحث المتخصص والقارئ المهتم متنا من الكلمات والتعابير وأسماء الإشارة والأسماء المبنية والموصولة وأسماء الجنس أو العلم الأكثر تداولا، (1221 كلمة)، في محاولة لتبيان الأصيل من الألفاظ الموروثة التي تتضمنها الدارجة المغربية عبر سيرورة زمنية تمتد لمئات السنين.

ويعرض المؤلف نتاج تنقيبه اللغوي من خلال جداول، تتضمن الكلمات الدارجة في مقابل أصولها الفصيحة، بالرجوع الى مصادرها المعجمية، مع الاستشهاد ببيت شعري أو آية قرآنية أو حديث نبوية، أو ما يدخل في باب أدب الأمثال، في ظل الالتزام بالاشارة الى صاحب البيت الشعري، أو رقم الآية القرآنية، أو مسند الحديث، أو بالاحالة الى كتب التراث، وأيضا بالعودة الى مجموعة من المعاجم والقواميس المختلفة والمتنوعة والمتباعدة زمنيا، وذلك توخيا لمزيد من الدقة.

وفي تقديمه للمؤلف، يقول الباحث عبد الحكيم الهلالي، وهو أيضا فنان تشكيلي، إنه سعى إلى “الكشف عن المصدر الفصيح للكلمات المتداولة بين المغاربة في محاولة لرفع الالتباس حول فصاحتها من عدمها (في جزء منها على الأقل)”، وأنه اكتفى “بشرح الكلمات التي لها أصل فصيح”، ولم يتطرق للكلمات التي لها “مصدر مُستقى من لغات أخرى أو لا مصدر لها أو مهملة تماما”.

وإن كان بعض انشغالاته من تتبع الاشتقاق اللغوي والنبش في أصول الكلمات المتداولة، كما يوضح، “رفع التهمة عن الدارجة المغربية المشار إليها ظلما بأنها متكونة من مفردات سوقية (..) مُستقاة من كلام الشارع وتفتقد لآليات التعبير والتبليغ، وأنها بعيدة كل البعد عن سمو المعنى ودقة العبارات والجمل”.

وفي المقابل، يقر الباحث أن جمال ورقة ودقة الدارجة المغربية يتجلى، بشكل أكبر، في دارجة الزجل القديم وشعر الملحون، والتي تختلف نسبيا عن دارجة الحياة العامة العصرية.

وبحسب خلاصات البحث، تضم الدارجة المغربية، الى جانب كونها خزانا كبيرا للعربية الفصحى، مفردات أمازيغية وحسانية وعبرية، قد يتفاوت معناها من جهة إلى أخرى من جهات المغرب، فضلا عن بعض الألفاظ المأخوذة أو المستعارة من اللغات الفرنسية والاسبانية والتركية واليونانية وبعض دول الساحل الإفريقي وحتى الفارسية، وإن كان الأمر في حدود ضيقة جدا.

ولفت البحث، أيضا، الى أن للدارجة المغربية قواعد ذوقية يتعين مراعاتها، بالقدر نفسه الذي يستلزمه “الحرص على تجنيبها تلك البدعة المتمثلة في كتابتها بحروف لاتينية ووضع أرقام محل حروف كالحاء تنقلب إلى 7 والعين تنقلب إلى 3 والقاف تنقلب إلى 9 والخاء تنقلب الى 5 وهلم عبثا”.

وحرص المؤلف على تأكيد أن الحفاظ على الدارجة المغربية يمثل شكلا من أشكال الحفاظ على اللغة العربية، خاصة في ظل ما تشير اليه الدراسات من أن ما بين 50 إلى 60 بالمائة من لغات العالم (المقدرة بين 5000 و 7000 لغة) قدتنقرض بحلول سنة 2100.

وباعتباىه مهتما بالتاريخ والتراث، يصر الباحث على أن الدارجة المغربية، التي هي جزء من التراث المغربي الأصيل، ما تزال في حاجة إلى دراسة معمقة لمعرفة مكوناتها اللفظية ومصادر مفرداتها ومدى تأثرها باللغات الأجنبية، وكذا تفاعلها مع اللهجات المحلية، مسجلا، في الآن نفسه، أن اللسان الدارج يحتاج من المختصين العمل على رصد أكثر لخصائصه وبنياته اللغوية والصوتية والتركيبية والنحوية والدلالية.

ودعا الكاتب ، في هذا الصدد، المهتمين بالشأن اللغوي بالمغرب، من باحثين وأكاديميين إلى بذل “أقصى الجهد للحفاظ على لغاتنا الوطنية الرسمية وحتى على دارجتنا الجميلة”، التي لا يرى مانعا في استعمالها بالمدارس والثانويات ك”وسيلة لتقريب الفكرة أو المعلومة للتلميذ أو الطالب دون تخوف من أن تطغى هذه الدارجة المنقحة على لغاتنا الرسمية التي يحرسها دستور البلاد”.

وخلص المؤلف الى أن “التمازج اللغوي المنسجم لمدة تربو على أربعة عشر قرنا بين اللغة الأمازيغية الأصيلة واللغة العربية الجميلة “أعطانا هذه الدارجة الرائعة التي نفتخر بها ونعتبرها مكسبا وغنيمة حضارية بها نتعايش ونتواصل ونحب بعضنا بعضا”.