آيت عبدي قرية مغربية محط اهتمام علمي وتنموي نرويجي

(من مراسل الوكالة الدائم بأوسلو : جمال الدين بن العربي)

أوسلو- تشكل قرية آيت عبدي (إقليم الحوز) محط اهتمام علمي وتنموي لجامعة “ليلهامر” النرويجية التي وضعتها ضمن برنامج عملها للسنوات المقبلة بالنظر إلى حاجيات المنطقة التنموية وخاصة في المجال التعليمي.ويعمل فريق بحثي مغربي نرويجي على إعداد بحث حول التعليم في المنطقة يرمي إلى إيجاد وسائل تعليمية انطلاقا من الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمنطقة من أجل تشجيع التلاميذ والتلميذات على التمدرس المستمر.
وقال الأستاذ الجامعي النرويجي بير نيغرين، أستاذ علم النفس والعمل الاجتماعي، والباحث في هذه الجامعة، إن هذه الدراسة الميدانية لها أبعادها التعليمية الرامية إلى جعل التلاميذ يساعدون بعضهم البعض في عملية التعلم حينما يجد آباؤهم صعوبات في مساعدتهم على ذلك.

واعتبر الأستاذ نيغرين أنه يتم تطبيق المقاربة العلمية التي تساعد على خلق معرفة جديدة من خلال مشاركة الآخرين، وهو الأمر الذي إذا تم دمجه مع المعرفة التي يتوفر عليها الناس تتم المساعدة في إحداث التنمية.
وأكد أنه في قرية آيت عبدي يتم جمع المعلومات عن الحياة اليومية للأطفال، ومن خلال دراسة مشاكلهن تبين أنهم يعانون من مشكل عدم تمكن آبائهم من مساعدتهم في المنزل على المستوى الدراسي نظرا لمحدودية تعليمهم أو انعدامه.

ولحل المشكل، يقول الأستاذ نيغرين، تم الاهتداء إلى خلق مجموعات من التلاميذ تعمل سويا حيث يساعد الكبير الصغير، وبعد ذلك يتم قياس مدى هذا التعاون، وهل حقق نتائج مهمة أم لا، ثم محاولة البحث عن العوائق المطروحة أمام هذه العملية ومساعدتهم على خلق طرق أخرى خاصة بهم.

وأضاف أنه يتم بعدها جمع معلومات أخرى واتباع نفس المنهجية، وفي الأخير يختار الباحثون أحسن نموذج للتطبيق مع تحديد عوائق تنفيذه وطرق التغلب عليها، مشيرا إلى أنه يتم تطبيق التجربة الناجحة في قرية أخرى بهدف التوصل إلى النموذج الأمثل لتشجيع تلاميذ القرية على الدراسة المستمرة.

وقال إن مما يساعد في تطبيق هذا الاختيار هو أن العمل الجماعي من صميم الثقافة المحلية، حيث إن في هذا المجتمع الصغير المتكون من 59 أسرة، يعتبر العمل التطوعي ضروريا من أجل تأمين المصالح المشتركة مثل إنشاء وصيانة إمدادات المياه والطرق المحلية، والحفاظ على التعليم الابتدائي، ودعمه ورعاية المساجد، وتبادل آلات الأشغال الفلاحية.

ومن أجل تحقيق تواصل كبير مع الساكنة والجمهور، أصدرت جامعة “ليلهامر” النرويجية، مؤخرا، كتابا عن حياة سكان قرية آيت عبدي بعنوان “أحاسيس قرية أمازيغية .. الحياة اليومية بآيت عبدي”، ترصد فيه مختلف تجليات الحياة اليومية لقرية يتطلع سكانها إلى الأفضل في ميادين التعليم والتربية والمجالات الاجتماعية، حيث ستخصص مداخيله لمشاريع التنمية في القرية.

ويتضمن هذا الكتاب، المنجز في إطار شراكة بين جامعة القاضي عياض بمراكش وجامعة “ليلهامر” النرويجية العريقة، صورا وشهادات لعدد من سكان القرية من الفتيات والشيوخ باللغتين العربية والانجليزية.

وقال الأستاذ نيغرين، وهو محرر الكتاب، إن آيت عبدي تحمل في كل لحظة من الحياة اليومية المغزى من تاريخ وثقافة الأمازيغ التقليدية، وحياتهم الحالية مزيج بين التقليد والحداثة مع علامات واضحة على حياتهم المستقبلية.

وأبرز الأستاذ نيغرين، وهو المشرف على مركز الأبحاث حول “مشاركة الأطفال والشباب و تنمية المهارات”، أن الهدف من خلال هذا الكتاب هو نقل أحاسيس واضعيه حول الكيفية التي تبرز فيها اللحظات البسيطة للحياة اليومية لسكان آيت عبدي، وكذا نقل حاضر ومستقبل القرية من خلال الصور الفوتوغرافية.

واعتبر أن العادات اليومية لسكان آيت عبدي تتشكل من فسيفساء عجيبة من الابتسامات الدافئة والثقة في المستقبل، وحب الاستطلاع النابع من عقول منفتحة، وبنفس القدر من دماء وعرق ودموع، ورغبة جامحة في التعلم.
ويضع الكتاب القارئ أمام معلومات تاريخية عن المنطقة إلى جانب بعض القصص الشخصية وآراء الأطفال وآبائهم وأجدادهم، وتم تجميع هذه الحكايات من خلال الاستجوابات التي تم القيام بها في آيت عبدي.

ويحتوي الكتاب، المعزز بصور لتمظهرات عيش سكان القرية، شهادات لفتيات ونساء ينحدرن من القرية عبرن من خلالها عن الآمال المستقبلية التي تحدوهن وطموحاتهن على مستوى استكمال الدراسات العليا والرقي بالقرية لتصبح نموذجا في التنمية البشرية بالمغرب.

وأنجزت صور الكتاب آن – لي إينغستروم، وتعمل مصورة مستقلة في كوبنهاكن، وهي مهتمة بالمجالات التصورية المتعلقة بالكتب والمجلات.

يذكر أن قرية آيت عبدي تقع في المنطقة الجنوبية الغربية من جبال الأطلس بتوبقال، وهي جزء من جماعة تازارت (إقليم الحوز) وتبعد عن مدينة مراكش بنحو 100 كلم، وبلغ عدد سكانها سنة 2004 نحو 14583 نسمة موزعة على 2292 أسرة.