مائوية قناة بنما… المنشأة التي غيرت خريطة الملاحة البحرية عبر العالم
بنما – إعداد هشام المساوي- مائة عام مرت على عبور أول باخرة تجارية بقناة بنما .. هذه المنشأة الهندسية الفريدة من نوعها والتي قلصت زمن ومسافة الإبحار بين المحيطين الهادي والأطلسي، تحتفل اليوم الجمعة بالذكرى المئوية لافتتاحها، لتصير خلال هذه المدة مبعث فخر لكل البنميين، وعلامة فارقة في تاريخ هذا البلد الكاريبي، وعاملا أساسيا لنهضته الاقتصادية والصناعية.
لم يكن تشييد قناة بنما حلما سهل التحقيق، فقد ظهرت الفكرة لأول مرة في بعض مراسلات الملوك الإسبان في القرن السادس عشر من أجل اختصار المسافة بين إسبانيا ومستعمراتها المطلة على المحيط الهادي كالبيرو، عبر بناء قناة بالبرزخ الفاصل بين المحيطين الأطلسي والهادي تجنب السفن الإسبانية الالتفاف حول قارة أمريكا الجنوبية، خاصة في ظل الصراع القائم مع القوات البرتغالية قبالة السواحل البرازيلية.
وبدأت أولى محاولات بناء قناة بنما، حينما كان البلد مقاطعة تابعة لكولومبيا، سنة 1881على يد الفرنسيين بقيادة الدبلوماسي فرديناند دي ليسيبس، الذي أشرف على شق قناة السويس، إذ وقع الاختيار على بناء قناة بمستوى سطح البحر، ما تطلب أشغال حفر كبيرة فوق أراض سهلة الانجراف وغزيرة المياه، وكثيرة السيول خاصة في الفصول المطيرة.
وتوقف المشروع الفرنسي الأول لبناء القناة بعد 8 سنوات من العمل، قبل إعلان إفلاس الشركة المكلفة بعد بلوغ مصاريف الأشغال إلى مستويات كبيرة لم يعد معها المساهمون قادرون على زيادة الاستثمار، قبل استئناف الأشغال من طرف شركة فرنسية ثانية سنة 1894، ما لبثت أن أعلنت إفلاسها هي الأخرى. ليتوقف المشروع بعد هلاك أزيد من 20 ألف عامل من جنسيات مختلفة متأثرين بالأمراض المدارية.
مع بداية القرن 20، كانت الولايات المتحدة تفكر جديا في بناء قناة خاصة بها بأمريكا الوسطى من أجل دعم نموها الاقتصادي الداخلي، ووسط الجدال بين شق قناة تمر عبر نيكاراغوا أو الاستحواذ على قناة بنما، صوت الكونغرس الأمريكي سنة 1902 على الخيار الثاني إثر التوصل إلى تسوية مالية مع الشركة الفرنسية المالكة لحقوق المشروع، في وقت كانت بنما تعيش مخاض الاستقلال عن كولومبيا الكبرى.
قبل انطلاق الأشغال تحت إشراف أمريكي، قام المكلفون بالمشروع بعملية هائلة للقضاء على البعوض الناقل لأمراض الملاريا والحمى الصفراء ما قلص من معدل الوفيات بشكل ملحوظ، كما أعيد تصميم المشروع من تشييد قناة بمستوى سطح البحر، إلى قناة بعلو 26 مترا فوق سطح البحر، وبناء بحيرة غاتون، التي كانت تعتبر أكبر بحيرة اصطناعية في حينها، وهو ما ساهم في إيجاد حلول للمشاكل التقنية التي واجهت الفرنسيين، كما قلص من مساحة الحفر بحوالي 60 في المئة.
في هذا السياق، أشار الباحث في التاريخ الطبي لبنما، خورخي موتا، أن معدل الوفيات قبل بناء القناة كان يصل إلى 75 شخص في كل مائة ألف نسمة، معدل ما لبث أن تراجع إلى 18 قتيل في كل مئة ألف نسمة بعد قضاء الأمريكيين على البعوض الناقل للأمراض المدارية كالملاريا والحمى الصفراء.
بتاريخ 15 غشت 1914، قطعت سفينة (أنكون) للمرة الأولى القناة البالغ طولها حوالي 80 كيلومتر، معلنة بالتالي دخول القناة حيز الاستغلال التجاري، ما ساهم في تنمية المنطقة بكاملها، لكنها قامت من جهة أخرى بتقسيم البلد إلى جزأين غير متصلين، خاصة مع قرار الولايات المتحدة الاحتفاظ بمنطقة عازلة تمتد على مساحة تفوق 1400 كيلومتر مربع على ضفتي القناة.
احتفاظ الولايات المتحدة بالسيطرة على قناة بنما والمناطقة العازلة التي كانت تضم 14 قاعدة عسكرية استعمل بعضها لاختبار الأسلحة الجديدة، خلف استياء كبيرا في صفوف البنميين الذين كان يمنع عليهم الاقتراب كليا من مشروع القناة، أو الانتقال من شرق البلد إلى غربه دون تصريح بالمرور فوق أراض بنمية لكنها خاضعة للسيادة الأمريكية، وهو الاستياء الذي تحول إلى مواجهات دامية أحيانا، أبرزها أحداث 1964 والتي جدد خلالها البنميون، بقيادة الحركة الطلابية، مطلب السيادة على كافة تراب البلد.
قوي بالدعم الشعبي الكبير، شرع الرئيس البنمي الراحل عمر توريخوس بداية السبعينات في مسلسل استعادة السيادة على القناة وعلى المنطقة العازلة، وهي المساعي التي توجت بالتوقيع سنة 1977 على معاهدة توريخوس كارتر التي ألغت معاهدة هاي بونو فاريا (1903)، التي حصلت بموجبها الولايات المتحدة على حقوق القناة لمدى الحياة، وفتحت الباب أمام استعادة بنما السيادة على هذه المنشأة ومنطقتها العازلة، وهو الأمر الذي تحقق بتاريخ 31 دجنبر 1999.
في هذا السياق، اعتبرت الباحثة الأنتربولوجية آنا إيلينا بوراس أن تاريخ بنما مرتبط بشكل وثيق بتاريخ بناء القناة، كما أن التركيبة السكانية المتنوعة الموجودة حاليا تعد نتاجا مباشرا للهجرات المتعاقبة للعديد من العمال الذين جيء بهم من آسيا وإفريقيا والكاريبي وباقي بلدان أمريكا اللاتينية للعمل في الأوراش المرتبطة ببناء السكة الحديدية أو شق قناة بنما.
في الوقت الراهن، تعتبر القناة عماد الاقتصاد الوطني لهذا البلد، اقتصاد يقوم أساسا على الخدمات البحرية والنقل واللوجستيك، إذ يمر عبر القناة أزيد من 144 خطا بحريا تربط هذا المعبر المائي مع ازيد من 1700 ميناء يقع ب 160 بلدا عبر القارات الخمس بالعالم، وهو ما يجعل بنما مركزا عالميا في مجال النقل واللوجستيك والخدمات المرتبطة بالنقل البحري، بفضل منشأة غيرت من “خريطة الملاحة البحرية” عبر العالم وفق تصريحات المسؤولين عن القناة.
وتشهد القناة مشروع توسعة، يعتبر بمثابة ميلاد ثان لهذه المنشأة، باستثمار إجمالي يفوق 5 مليارات دولار، مشروع يسير بثبات وإن كان يشهد تأخيرا بسبب الإضرابات العمالية ووجود خلافات مالية بين الشركة المنفذة وهيئة القناة، وهو المشروع الذي تعول عليه بنما من أجل رفع تنافسية الممر المائي وزيادة حصته في قطاع النقل البحري إلى ما فوق 5 في المئة الحالية.
اقرأ أيضا
مجلس حقوق الإنسان.. السيد زنيبر يترأس أول اجتماع للمجلس الاستشاري المعني بالمساواة بين الجنسين
ترأس رئيس مجلس حقوق الإنسان، السفير عمر زنيبر، اليوم الاثنين بجنيف، الاجتماع الأول للمجلس الاستشاري المعني بالمساواة بين الجنسين، والذي تم إحداثه تحت الرئاسة المغربية.
متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر يحتفي بالذكرى العاشرة لتأسيسه
احتفى متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر،اليوم الاثنين بالرباط، بالذكرى العاشرة لتأسيسه، وذلك بتنظيم حفل رسمي، حضرته ثلة من الشخصيات من علم الثقافة والدبلوماسية والاقتصاد.
باريس انفرا ويك: البنية التحتية المستدامة، مجال متميز للتعاون بين المغرب وفرنسا (السيد بنشعبون)
باريس – أكد المدير العام لصندوق محمد السادس للاستثمار، محمد بنشعبون، اليوم الاثنين بباريس، أن مجال البنيات التحتية المستدامة يمثل مجالا متميزا للتعاون بين المغرب وفرنسا. وقال السيد بنشعبون، في كلمة ألقاها في ندوة نظمت في إطار اليوم الافتتاحي لأسبوع “باريس انفرا ويك”، أحد المواعيد الرائدة في أوروبا المخصصة لتمويل البنية التحتية، إن البنيات التحتية […]
أخبار آخر الساعة
-
مجلس حقوق الإنسان.. السيد زنيبر يترأس أول اجتماع للمجلس الاستشاري المعني بالمساواة بين الجنسين
-
متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر يحتفي بالذكرى العاشرة لتأسيسه
-
باريس انفرا ويك: البنية التحتية المستدامة، مجال متميز للتعاون بين المغرب وفرنسا (السيد بنشعبون)
-
مراكش: انعقاد المنتدى السنوي لأطراف “الشراكة من أجل تخزين الطاقة”
-
الحكومة واصلت التحكم في مستويات معقولة للواردات التي عرفت استقرارا نسبيا (السيد أخنوش)
-
الدار البيضاء: مؤسسة مسجد الحسن الثاني تضطلع بدور محوري في إدارة هذه المعلمة ونشر علوم الدين والفقه (السيد التوفيق)
-
انطلاق الأدوار الإقصائية للدورة التاسعة لبطولات المغرب للترويض والقدرة والتحمل والقفز على الحواجز بسيدي البرني
-
تنصيب هشام رحيل مديرا لمطار محمد الخامس بالدار البيضاء (المكتب الوطني للمطارات)