الصين والترقب الحذر إزاء سياسة جو بايدن

(بقلم خالد العيموني)

بكين – تسود الصين أجواء من الترقب المشوب بالحذر إزاء طبيعة السياسة التي سينتهجها الديمقراطي جو بايدن الفائز بانتخابات الرئاسة الأمريكية في تعامله مع الغريم الآسيوي العملاق، وكيفية تدبيره لتركة سلفه الجمهوري دونالد ترامب، الذي لايزال حتى الآن لا يعترف بالهزيمة، وخاصة ما يتعلق بالتعاطي مع ملفات الحرب التجارية والقيود على الشركات التكنولوجية ووسائل الاعلام الصينية وكذا القضايا المرتبطة بشينجيانغ وهونغ كونغ وتايوان.

وعرفت العلاقات الصينية الأمريكية في عهد إدارة ترامب توترات متنامية على أكثر من صعيد، وصفت بالأسوأ منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل أزيد من أربعة عقود، وصلت إلى حد تبادل فرض رسوم جمركية بمليارات الدولارات في حرب تجارية حبست فصولها أنفاس العالم وهزت الأسواق والبورصات الدولية، إلى جانب إغلاق متبادل لقنصليات دبلوماسية، وسلسلة القيود على مجموعة “هواوي” وتطبيقي “تيك توك” و”ويتشات”، فضلا عن الاتهامات بشأن المسؤولية عن تفشي وباء كوفيد-19، وغيرها من القضايا الخلافية العديدة بين البلدين التي تصدرت المشهد الدبلوماسي والاعلامي طيلة السنوات الأربعة الأخيرة.

ورغم التوترات غير المسبوقة مع إدارة ترامب، فقد حرص المسؤولون الصينيون على عدم إبداء أي موقف سياسي اتجاه السباق المحموم لترامب وبايدن نحو البيت الأبيض طيلة مرحلة التنافس الانتخابي الشرس، وحتى بعد إعلان فوز بايدن وتقاطر التهاني من عدد من العواصم الدولية، لم تسارع بكين إلى تهنئة المرشح الديمقراطي وقالت إنها ستتبع الأعراف الدولية بشأن تهنئة الرئيس الأمريكي المنتخب عقب الجدل بشأن النتائج الذي أثاره ترامب.

وبعد مرور نحو أسبوع على إعلان انتصار المرشح الديمقراطي هنأت الصين جو بايدن وكامالا هاريس، لكن مع تجديد تأكيدها أن نتيجة هذه الانتخابات ستتقرر وفقا للقوانين والاجراءات الأمريكية.

وفي الوقت الذي أصدرت فيه صحيفة “واشنطن بوست” عنوانا رئيسيا “الصين تهنئ أخيرا جو بايدن وكمالا هاريس بفوزهما في الانتخابات”، سارعت صحيفة “غلوبال تايمز”، المتحدثة باسم الحزب الشيوعي الصيني، إلى توضيح مغزى خطوة تهنئة بكين، وقالت إنها تظهر “احترام الصين البالغ للقوانين الأمريكية وقواعد الانتخابات والأحزاب والناخبين، لكن تهنئة كبار قادة الصين سيتم إرسالها بمجرد إعلان النتائج الرسمية”.

وبدا الإعلام الصيني على غرار قادة البلد أكثر تحفظا في متابعته لمجريات الانتخابات الأمريكية، حيث حظيت هذه الانتخابات بتغطية إعلامية أقل بكثير مقارنة بالانتخابات التي جرت قبل أربع سنوات عندما تنافس ترامب ضد هيلاري كلينتون.

وحسب لو شيانغ، الباحث في الدراسات الأميركية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن السبب الذي جعل وسائل الاعلام الصينية مترددة في الحديث كثيرا عن الانتخابات هو أنها “لا تريد أن تستخدمها القوى السياسية الأميركية كأمثلة على تدخل الصين في الانتخابات”.

غير أن وسائل الإعلام الصينية الرئيسية، بدأت تتجاوز تحفظها وتقدم تحليلاتها وقراءاتها لما ستكون عليه سياسة بادين اتجاه بكين بعد إعلان فوزه.

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “غلوبال تايمز”، في إحدى مقالاتها الأخيرة، أن إذاعة “صوت أمريكا” كشفت حديثا عن قائمة بالمستشارين الذين سيعتمد عليهم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بشأن السياسات الخاصة بالصين، بينهم نائب وزير الخارجية السابق أنطوني بلينكين، والمندوبة السابقة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور ، ومساعد وزيرة الخارجية السابقة لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي كورت كامبل، ومستشارو الأمن القومي السابقون جيك سوليفان، وسوزان رايس، وتوماس دونيلون.

ولاحظت الصحيفة أنه وفقا لسيرهم الذاتية، فإن جميعهم تقريبا من إدارة الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما، لافتة إلى أنه من المرجح أن يصبح هؤلاء أعضاء في حكومة بايدن، “لذلك ستؤثر وجهات نظرهم بشكل كبير على السياسة الخارجية المستقبلية لإدارة بايدن”.

وأشارت إلى أن دونيلون نشر في عام 2019 مقالا في مجلة “فورين أفيرز” ، يجادل فيه بأن الحرب التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي “الطريقة الخاطئة للتنافس مع الصين”، وأنه يجب على الولايات المتحدة التركيز على التجديد، بدلا من الحمائية، فيما قال بلينكين في شتنبر الماضي أن “موقف الصين الاستراتيجي أقوى وموقفنا أضعف نتيجة قيادة الرئيس ترامب، وأن ترامب ترك فراغا في العالم تملؤه الصين”.

وقالت الصحيفة إنه انطلاقا من رؤى هؤلاء المستشارين، فإن الهدف من سياسة إدارة بايدن تجاه الصين سيكون “مطابقا تقريبا” لتلك التي تتبعها إدارة ترامب، وإن كان ذلك أكثر “لباقة”، متوقعة أن تستمر إدارة بايدن في اعتبار الصين منافستها الرئيسية. وخلصت إلى أنه “مع ذلك، سيختلف بايدن عن ترامب في التعامل” مع الصين.

ومن جهتها، كتبت صحيفة “تشاينا ديلي” أنه حتى لو أصبح جو بايدن رئيسا، كما هو متوقع، فمن غير المرجح أن يغير أيا من السياسات القاسية لإدارة ترامب تجاه الصين، لأنه يعرف أن هناك مشاعر واسعة معادية للصين بين المشرعين في الكونغرس من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وقالت إنه بالرغم من أنه من غير المتوقع أن تتخذ إدارة بايدن نهجا أكثر تشددا في سياستها تجاه الصين مقارنة مع إدارة ترامب، إلا أن بايدن لن يرغب في مواجهة رد فعل الكونغرس الذي لا مفر منه إذا حاول التراجع عن أي من الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب ضد الصين.

ويبدو واضحا من خلال هذه التحليلات لوسائل الإعلام الصينية الرئيسية أن بكين تنظر بعين الحذر إلى سياسة بايدن المستقبلية اتجاهها وإن كانت ترى أنها ستشهد نوعا من الاختلاف عن سلفه ترامب.

وكان نائب وزير الخارجية الصيني، لو يو تشنغ، صرح مؤخرا، أن بلاده “تأمل أن يلتقي الرئيس الأمريكي وحكومته الجديدة مع الصين في منتصف الطريق لإدارة الخلافات وتحسين العلاقات”.

وذكر أن موقف الصين تجاه العلاقات الصينية-الأمريكية “واضح جدا ومتسق”، لافتا إلى أنه رغم الخلافات القائمة بين البلدين إلا أنهما يشتركان في مصالح واسعة وهناك مساحة للتعاون بين الجانبين.