آخر الأخبار
رمضان بأرض “المحروسة” ..مدفع الإفطار تقليد عريق يقاوم عصر التكنولوجيا

رمضان بأرض “المحروسة” ..مدفع الإفطار تقليد عريق يقاوم عصر التكنولوجيا

الإثنين, 28 مايو, 2018 - 11:31

 

(جواد التويول)

القاهرة – “مدفع الإفطار .. ضرب”، لازمة شهيرة، متواترة السمع، هنا وهنالك، في كل الحارات والأحياء الشعبية بمدينة القاهرة، خلال شهر رمضان، قبيل موعدي الإفطار والإمساك.

الأمر لا يعدو هنا مجرد لازمة عابرة، لكنها في كنه الواقع، تبدو تقليدا رمزيا عريقا، صارت على نهله شرائح واسعة من أهالي “أرض الكنانة”، تشبثا وتيمنا بعادات تليدة غابرة في الزمن، متوارثة عن الأجداد، خلال هذا الشهر الفضيل.

كثيرون لا يحلو لهم شهر الصيام، من دون سماع دوي المدفع، فقبل موعد “الفطار”، تتراءى لك جموع من الناس، على أرصفة الشوارع، ومداخل الحارات، ومشارف الأزقة، ينتظرون بشغف، إطلاق المدفع لطلقته المدوية، إيذانا بانتهاء فترة الصوم، وحلول موعد الإفطار، وإشارة ضمنية تفيد بضرورة الالتفاف حول “صفرة” البيت مع أفراد العائلة والأصدقاء.

ورغم كثرة المساجد والمآذن ذات مكبرات الصوت، في كل أنحاء القاهرة، وتطور التكنولوجيا الحديثة (منبهات إلكرتونية، هواتف ذكية) وإعلان مواقيت الصلاة في وسائل الإعلام والمواقع الالكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، إلا أن أهالي “المحروسة”، مازالوا يحرصون على التشبث بهذه العادة الأصيلة، التي توارثوها عن أجدادهم على مر التاريخ ولا يتوانون في تبيان حمولتها الرمزية، التي تجسد روح الانتماء، لدى الجيل الصاعد.

“دي هويتنا وأصالتنا” يقول متولي مسير مقهى في حي “إمبابة” الشعبي وسط القاهرة، في دردشة مع وكالة المغرب العربي للأنباء “رمضان هنا في القاهرة ليس له مثيل، فوانيس وزينة في كل البيوت، وضربة المدفع تضفي جمالية على مشهد رمضان في تناغم تام مع عاداتنا وتقاليدنا”، يضيف متولي.

أما سيد، الشيخ السبعيني، فيقول في دردشة مماثلة، ” صورة المدفع في مخيالنا الشعبي لها رمزية وحضور خاص، هي التاريخ والتراث في آن واحد.. نحن هكذا ألفنا هذه العادة الأصيلة..ولا نكترث بتاتا لمتغيرات العصر والتكنولوجيا”.

وكما يحرص الصائمون بمختلف أعمارهم على سماع طلقة المدفع عند غروب الشمس، لا يتردد أهالي بلاد “الفراعنة”، وهم يستعدون للإمساك، وأداء صلاة الفجر في المساجد القريبة، في الانتظار دقائق قليلة، لسماع طلقة المدفع، إيذانا ببداية يوم صوم جديد.

وفي هذا الصدد، يقول صلاح البهنسي أستاذ الأثار الاسلامية بجامعة عين شمس بالقاهرة، إن مدفع رمضان كان بمثابة “صدفة لكنها أصبحت تراثا في مصر”، مشيرا إلى أن القاهرة كانت أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب، إيذانا بالإفطار في شهر رمضان.

وأوضح البهنسي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الصدفة تعود إلى بداية النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، حيث كان حاكم مصر في هذه الفترة الوالي المملوكي “خوشقدم” قد تلقى مدفعا هدية من صاحب مصنع ألماني فأمر بتجربته وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة أن ذلك إيذان لهم بالإفطار، ففرحوا لذلك، وفي اليوم التالي اجتمع المشايخ وعلماء الدين ليقدموا الشكر للسلطان على هذه العادة الجديدة لإعلام الناس بوقت غروب الشمس، وصارت تراثا وتقليدا متبعا في مصر وفي كثير من بلدان العالم الاسلامي “منذ ذلك الحين إلى وقتنا الحالي”.

وأضاف البهنسي، أنه رغم اتفاق الكثير من الدول الاسلامية على اطلاق المدفع عند غروب الشمس، إلا أن مصر لها خصوصيتها في هذا الأمر، ففي عصور مختلفة أصبح هذا المدفع الخاص بالإفطار محل اهتمام ملوك وسلاطين وامراء أرض الكنانة، وانتقل هذا الاهتمام الى مهنيي الصناعات والحرف المختلفة، فأصبح يصنع هذا المدفع من النحاس والبرونز ويحمل على عربة ذات عجلات.

وحول حضور عادة انتظار “المدفع” خلال موعد الإفطار، في التقاليد اليومية للشعب المصري خلال رمضان، قال الاستاذ الجامعي المصري إن طلقة المدفع أصبحت، بلا شك، موروثا ثقافيا وجزءا من العادات اليومية للمصريين خلال هذا الشهر الفضيل.

وأكبر دليل على ذلك، يضيف البهنسي، أن محطة الإذاعة والتلفزيون المصرية، تذيع يوميا صوت إطلاق المدفع إيذانا للمصريين بالإفطار أو حتى الإمساك عن الطعام عند السحور، وذلك رغم تطور وسائل الإعلام وتحديد وقت الغروب والسحور..

وتقول رواية أخرى، أن محمد علي باشا والي مصر (1805-1848 م)، كان مهتما بتحديث الجيش المصري، وبنائه بشكل قوي يتيح له الدفاع عن مصالح البلاد، وأثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع المستوردة من ألمانيا، انطلقت قذيفة المدفع مصادفة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، وكان ذلك سببا في إسعاد الناس الذين اعتبروا ذلك أحد المظاهر المهمة للاحتفاء والاحتفال بهذا الشهر المبارك.

وفي منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدا في عهد الوالي عباس حلمي الأول (1853)، كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة، الأول من القلعة، والثاني من سراي عباس باشا الأول بالعباسية.

وفي عهد الخديوي إسماعيل (حكم مصر ما بين 1863 و1879) تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل “المقطم”، حيث كان يحتفل قبيل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولا على عربة ذات عجلات ضخمة، وتتم اعادته يوم العيد إلى مخازن القلعة مرة أخرى..

ومع مرور الزمن، انتقل تقليد إطلاق مدفع الإفطار، إلى الكثير من محافظات مصر، لأنه يضفي مظاهر البهجة والسرور على أهالي أرض الكنانة خلال هذا الشهر الكريم.

وتتكلف بكل مدفع إفطار، مجموعة من الضباط الأكفاء حتى لا تتقدم أو تتأخر المواقيت ويكون ذلك تحت إشراف الجيش.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، انتشرت فكرة مدفع رمضان في دمشق والقدس ثم بغداد ، وبعدها انتقلت إلى الكويت ثم إلى كافة أقطار الخليج، وكذلك إلى اليمن والسودان وحتى دول غرب إفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي.

 

 

 

اقرأ أيضا

ذكرى عيد العرش مناسبة لتسليط الضوء على المنجزات التي تحققت في عهد جلالة الملك (ندوة)

الثلاثاء, 6 أغسطس, 2024 في 17:51

أكد المشاركون في ندوة نظمتها غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الدار البيضاء-سطات، اليوم الثلاثاء بالدار البيضاء، أن الذكرى الـ25 لعيد العرش المجيد تشكل مناسبة لتسليط الضوء على المنجزات التي تحققت في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

كرة القدم داخل القاعة..اختيار هشام الدكيك أحسن مدرب في العالم في سنة 2023 (موقع فوتسال بلانيت)

الثلاثاء, 6 أغسطس, 2024 في 17:27

اختار موقع “Futsalplanet.com”، المختص في كرة القدم داخل القاعة العالمية، الناخب الوطني، هشام الدكيك، أحسن مدرب في العالم في سنة 2023.

تسجيل أكثر الأيام حرارة على الإطلاق في يوليوز الماضي (المنظمة العالمية للأرصاد الجوية)

الثلاثاء, 6 أغسطس, 2024 في 17:05

كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الحرارة الشديدة ضربت مئات الملايين من الأشخاص في العالم طوال شهر يوليوز الماضي، حيث تم تسجيل أكثر الأيام حرارة على الإطلاق.