فنزويلا تسابق الزمن للوصول إلى وصفة مجدية للقضاء على ظاهرة العنف في البلاد

فنزويلا تسابق الزمن للوصول إلى وصفة مجدية للقضاء على ظاهرة العنف في البلاد

الثلاثاء, 21 يناير, 2014 - 12:09

(من المراسل الدائم للوكالة بكراكاس: هشام الأكحل)

كراكاس- يفتك بالفنزويليين، لا يبقي و لا يذر، يأتي على الأخضر واليابس ، لا يفرق بين كبير أو صغير، بين عامل بناء عائد مساء إلى بيته ، وبين ملكة جمال تقضي عطلتها السنوية في إحدى المدن، اختلفت الأسماء في وصفه، فمن قائل إنه “العنف الأعمى” وآخر إنها ” الحرب الضروس”.. تعددت النعوت لكن القتل واحد في فنزويلا .. وبالرصاص وقلما يكون بغيره.

” نحن لسنا مجرمين كما قد تتصوروا..لكننا طبعا مسلحون ، فالضرورة تقتضي ذلك.. نطلب منكم أن تتعاونوا وألا تغادروا أماكنكم وأخرجوا حقائبكم فرفيقي سيمر لكي يجمع مساهماتكم ..لا يجب أن تقل عن ورقة من فئة خمسين بوليفارا..سنغادر الحافلة في المحطة القادمة عبر الباب الخلفي حيث يوجد رفيقنا الآخر الممتطي لدراجته النارية “، هذا واحد من المشاهد التي أصبحت مألوفة في حافلات النقل العمومي في كراكاس.
” لا أدري كم أخرجت من حقيبتي اليدوية عندما كان يمر أمامي، لكني أعطيته كل ما كان لدي ، المهم في تلك اللحظة هو أن يغادروا الحافلة دون حدوث أي مكروه ، لقد تعلمت ألا أقاوم أبدا لأن ذلك قد يكلفني حياتي، عليك أن تضع بعض المال في حقيبتك قبل مغادرة البيت تحسبا لمثل هذه الشدائد وإلا فإنك مرغم بالتضحية بهاتفك النقال أو بساعتك اليدوية أو نظارتك الشمسية أو بحذائك الرياضي إن كان من النوع الجيد طبعا “، تقول إيريكا، وهي بالكاد تسترجع أنفاسها، عندما غادرت الحافلة في اتجاه المستشفى حيث تعمل كمساعدة طبيب.
في حدود السادسة من مساء كل يوم تبدأ المحلات التجارية في كراكاس بإغلاق أبوابها وذلك اتقاء لشر “مخلوقات ليلية” اعتادت الخروج عندما يدخل الآخرون إلى بيوتهم، يقسمون مناطق نفوذهم وينطلقون في دوريات “اصطياد الفريسة”، هناك أماكن يعتبرونها محررة من سلطة الشرطة كمنطقة ” بيتاري” أحد أكبر الأحياء الشعبية في كراكاس، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.
لا عجب أن يضع كل فنزويلي في جيبه حمالة مفاتيح ثقيلة لأنه لا يوجد منزل أو شقة بباب واحد بل يلزم الأمر ثلاثة أو أربعة أبواب لعلها تحمي أصحابها ممن يعشقون الظهور عندما يرخي الليل سدوله قبل أن يستفيق الجيران على طلقة رصاص تضيف اسما جديدا إلى لائحة ضحايا العنف التي لا تنتهي.
العنف في هذا البلد الجنوب أمريكي، الذي يتوفر على أكبر احتياطي عالمي من النفط، جعل من صناعة تصفيح السيارات تجارة لا تبور تدر على أصحابها أموالا كثيرة بفعل الإقبال الكبير على هذا النوع من السيارات التي تكلف ما بين 30 و60 الف دولار مقابل توفير السلامة لمستعمليها ضد أي اعتداء مسلح مهما كانت درجة خطورته.
لكن سيارة الممثلة وملكة جمال فنزويلا السابقة مونيكا سبيار (29 عاما) لم تكن مصفحة وهي تسير قبل نحو أسبوعين على الطريق السيار الرابط بين مدينتي بلنسية وبويرتو كابييو (غرب) ، فكانت النتيجة أن اخترقت رصاصات المعتدين جسدها وجسد زوجها ، فيما كتب عمر جديد لابنتها التي لم تتجاوز خمس سنوات.
مقتل ملكة جمال فنزويلا وزوجها، أجج المشاعر وخلف موجة من الادانة لفعل شنيع من هذا القبيل وهو الأمر الذي جعل الحكومة والمعارضة يدركان أن ما يحدث بالبلاد ليس فيلما سينمائيا وإنما هو واقع مرعب يتعين التصدي له قبل فوات الأوان ولذلك اختارت جميع الأطراف السياسية الجلوس إلى طاولة واحدة بقصر ميرافلوريس الرئاسي للبحث عن وصفة تخرج البلاد مما هي فيه، فمصرع نحو 25 ألف شخص خلال السنة الماضية بحسب أرقام منظمات غير حكومية، لا يمكن أن يحدث إلا في بلاد تعيش حربا أهلية غير معلنة.

ولم يتردد زعيم المعارضة الفنزويلية إنريكي كابريليس رادونسكي في مراسلة الرئيس نيكولاس مادور عبر التويتر مقترحا عليه أن “يدعا خلافاتهما جانبا ويعملا سويا في جبهة واحدة لوقف دوامة العنف”، ليأتي الرد سريعا من قبل مادورو الذي مد يده مصافحا لكابريليس في لحظة صفق لها الجميع أملا في توحيد الجهود وإنقاذ البلاد.

خرج اللقاء بقرارات مهمة أبرزها إطلاق نقاش وطني من أجل البحث عن استراتيجيات جديدة وخطط بديلة لوقف نزيف الدماء في بلد تصنفه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ضمن خانة أخطر البلدان في العالم حيث يلقى يوميا نحو 69 شخصا مصرعهم بسبب أعمال العنف، نصف هذا العدد تقريبا في العاصمة كراكاس لوحدها.
وفي خطوة موازية قام الرئيس مادورو بإجراء تعديل وزاري هم عددا من الحقائب، كوزارات التعليم والتربية والشباب والرياضة والشغل، وذلك تعزيزا للسلم الاجتماعي وإعدادا للظروف المناسبة للقضاء على العنف والجريمة، كما أعلن عن خطة “لإرساء السلم” في عموم البلاد التي تولى قيادتها بعد رحيل هوغو تشافيز في مارس الماضي.
وفي السياق ذاته أمر الرئيس مادورو، الذي أكد أن التاريخ سيذكره بأنه رئيس السلام، باستدعاء مسؤولي القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة على عجل أمس الاثنين إلى اجتماع عمل يخصص لإعادة النظر في شبكة البرامج المقدمة من قبل هذه القنوات التي اتهمت الحكومة بعضها بالتحريض على العنف وتسميم المجتمع لاسيما فئة الشباب.
وميدانيا، دخلت وزارة الداخلية على خط التصدي للعنف من خلال الإعلان عن تخصيص أزيد من مليار دولار لتثبيت نحو 30 ألف كاميرا متطورة في عدد من المدن بدعم مالي من الصندوق الصيني.
كما كشفت السلطات مؤخرا عن إطلاق تطبيق جديد يمكن تحميله على الهواتف الذكية يحمل اسم “الشرطة في جيبي” ، ويسمح هذا النظام في حالة التعرض للخطر بطلب الاستغاثة بلمسة زر واحدة تحدد زمان ومكان تواجد الشخص المعرض للخطر ليتم بعد ذلك العمل على إنقاذه.
ويبدو من خلال هذه الخطوات أن الساهرين على أمن الفنزويليين يرغبون هذه المرة إعادة النظر في القيم السائدة في المجتمع، وكذا اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة والخدمات التي توفرها باعتبارها وصفة جديدة قد تعطي أكلها في الحد من ظاهرة العنف التي لم ينفع معها إخراج الجيش، في شهر ماي الماضي، من ثكناته ونشره في مختلف شوارع المدن.
لا يختلف المراقبون للشأن الفنزويلي على أن محاربة العنف في هذا البلد، يمر بالضرورة عبر نهج مقاربة الوقاية أولا ثم إصلاح النظام القضائي وإقرار مبدأ عدم الافلات من العقاب وإعادة تأهيل المؤسسات السجنية.
ليس قدرا محتوما أن تعيش فنزويلا دون غيرها آلام العنف وويلاته، فكم من أمة نهضت، كطائر العنقاء ، من تحت الرماد تتلمس طريق السلام حينما توفرت لديها الإرادة وقوة الإيمان التي تهز الجبال.

اقرأ أيضا

التوقيع على محضر اتفاق بين وزارة الصحة ونقابات القطاع

الثلاثاء, 23 يوليو, 2024 في 21:56

وقع وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت طالب، بتفويض من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اليوم الثلاثاء، محضر اتفاق بين الوزارة والنقابات الممثلة في قطاع الصحة.

السيد لقجع يؤكد على أهمية إصلاح قانون المالية لجعله إطار رائدا لتدبير الميزانية

الثلاثاء, 23 يوليو, 2024 في 21:40

أكد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، اليوم الثلاثاء بمجلس المستشارين، على أهمية إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية لجعله إطارا تنظيميا رائدا لتدبير الميزانية العامة للدولة.

مجلس المستشارين يختتم بعد غد الخميس دورة أبريل من السنة التشريعية 2023-2024

الثلاثاء, 23 يوليو, 2024 في 19:54

يعقد مجلس المستشارين، بعد غد الخميس، جلسة عامة تخصص لاختتام دورة أبريل من السنة التشريعية 2023-2024.