مزرعة حضرية على سطح أحد مباني كوبنهاغن تشد انتباه الزوار

      (بقلم : الحسين ميموني)

  كوبنهاغن – باستثناء لافتة سوداء تحمل في الوسط شعار “أوستير غرو”، لا شيء يوحي بوجود ، بحي “أوستير برو” الهادىء الذي يقع على بعد مسافة قليلة من وسط كوبنهاغن، ما يثير الفضول ويشد الانتباه : إنها مزرعة حضرية على سطح مبنى من ثلاثة طوابق.

  فعند أسفل البناية، حيث يوجد محل لبيع السيارات المصنوعة خلال سنوات ثمانينيات القرن الماضي، يرحب كل من الشاب كريستيان والسيدة سيغن، صاحبا هذا المشروع الفريد، في بداية هذا المساء بالزوار لمرافقتهم إلى السطح  عبر درج التفافي معدني يحيط بالمبنى.

 على امتداد هذا الارتفاع، تنتشر رائحة الخشب المحترق التي تجعل الزائر  ينصهر بشكل تام في هذا الفضاء الذي تعمه إضاءة خافتة، وتؤثثه مقاعد قديمة مصنوعة من الخشب الصلب، ووسائد رمادية، وأواني وأدوات فلاحية قديمة مرتبة بعناية.

  “مرحبا بكم في أول مزرعة حضرية في كوبنهاغن!”، يأتي صوت سيغن فولتيلين، في الخمسين من عمرها، بشكل مفاجئ، وهي تخاطب وفدا من الصحافيين الأفارقة الذين يقومون برحلة إعلامية إلى البلدان الاسكندنافية (من 23 إلى 28 أكتوبر الجاري) في إطار مؤتمر كوب 22، مقدمة لهم شرائح صغيرة من الخبز الأسود، المزينة بجبن مالح مع باقة من الزهور قطفت للتو.

  وتبدو للعيان دفيئة صممت بشكل تقليدي تجعلك تعتقد بأن زائريها جاؤا بحثا عن الخضرة والتخفيف من الاحساس بالغربة، لكن يتفاجأون بصفوف من المزروعات تمتد من 50 إلى 80 سنتيمتر  تكسوها جميع أنواع الخضروات وأوراق الشجر.

   وتقول السيدة فولتيلين، بصوت حازم، كما لو كانت تريد ايقاظ الزوار من حلم جميل “لدينا ايضا قنا للدجاج، وعددا قليلا من خلايا النحل وعائلة صغيرة من الأرانب. لا يمكنكم رؤيتهم لكون الوقت متأخر. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر الأربعاء اليوم الذي نلتقي فيه بأعضاء تعاونيتنا والمتطوعين الذين يريدون مساعدتنا”.

  في الواقع، فقد ظهر هذا المشروع، المقام على مساحة 600 متر مربع،  في ربيع سنة 2014 وترسخ بشكل فعلي في الخريف الذي بعده.

  ويرغب الواقفون وراء إقامته إلى أن يجعلوا منه مقاولة ناشئة، نظرا للعدد المتزايد من الزوار، حيث يتشكل جزء كبير منهم من التلاميذ والطلبة والأسر وعشرات المتطوعين الذين، من دون أي التزامات أو حقوق، تتم دعوتهم عن طريق البريد الإلكتروني في حالة الحاجة إلى خدماتهم. ولائحة الانتظار قد تكون طويلة.

  “في أكثر من 50 مزرعة حضرية توجد في كوبنهاغن، نحن الوحيدون الذين لديهم مثل هذه الشرفة. هنا، المبنى يوفر الولوج المثالي لأشعة الشمس والتهوية”، يقول كريستيان، وهو مهندس معماري شاب قرر رفقة زميلين آخرين له رفع هذا الرهان.

  ويبرز بروح دفاعية  “لكن لا!، أنا مهندس المناظر الطبيعية ولدت مثل العديد من سكان كوبنهاغن في البادية. نحب فقط استعادة الثقة بين المواطنين، والفلاحة العضوية التي تضررت جراء المحلات الكبرى”.

  وأكد أنه سيكون من الجيد تكرار مثل هذه المبادرات في كل مكان وأن تشمل المحاكاة أيضا الاستزراع السمكي. “على كل حال، نحن أمة من الصيادين”، موضحا أن هذا المشروع لا يتوخى سوى العودة إلى الأرض.

   وفي ما يتعلق بالأرض على وجه التحديد، كشفت السيدة فولتيلين، التي عادت قبل أسبوعين من زيارة للمغرب، للحضور ، كيف أن فلاحا من نواحي مراكش علمها تقنية للبذور قديمة، ورثها من أسلافه، خلال فترات تدهور  التربة.

   وقالت بلهجة واثقة تعكس التزامها ورغبتها في التعلم، “من أجل هذا بالضبط ، وبطبيعة الحال، فإن كريستيان وأنا سنحل بمراكش من أجل كوب 22”.

  وبالنسبة للزائرين المتأخرين، فإن المصعد العملاق الذي كان يستخدم قديما لنقل السيارات، قد تم توفيره مع مقاعد للجلوس مكسوة بجلود الماعز والأغنام، إضافة إلى تقديم المكسرات.