دبلوماسية مجددة وريادة تفرض نفسها

( بقلم :عادل الزعري الجابري)

بروكسل- يسعى المغرب اليوم إلى تثمين موقعه الجغرافي، ومؤهلات استقراره ومرونته الاقتصادية من أجل فتح آفاق جديدة على مستوى السياسة الدولية، مع حفاظه، في نفس الوقت، على تحالفاته الاستراتيجية التقليدية.

هذه المؤهلات الأساسية تمكنه بالتالي من تأكيد جذوره الإفريقية وتعزيز توجهه كجسر يربط بين الجهات الأربع للمحيط الأطلسي.

ويستمد التوجه الدبلوماسي الجديد للمملكة قوته من المبادرات الملكية الاستباقية، التي تقوم على إدراك وخاصة توقع التحديات المقبلة، والتي يعطيها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اليوم، دينامية جديدة.

ويطمح التوجه الملكي في مجال الديبلوماسية إلى جعل هذه الأخيرة مجددة واستباقية وواعية تماما بالمصالح الاستراتيجية للمملكة والقضايا التي تفرضها المعطيات الاقتصادية والسياسية العالمية.

وشكلت الزيارات الأخيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى كل من روسيا وبلدان الخليج والصين دفعة قوية لهذا التوجه الجديد الذي أخذته السياسة الدولية للمغرب، والذي يروم خلق شراكات متعددة الأبعاد وغير مسبوقة تعطي لعولمة المبادلات أسمى معانيها، مع التركيز على تعزيز الأمن، والنمو، والتنمية البشرية المستدامة والازدهار المشترك.

وكان جلالة الملك قد أكد في خطابه التاريخي أمام رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي أن المغرب ” رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي او الاستراتيجي أو الاقتصادي “.

وأضاف جلالته أن ” المغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد. وسيظل وفيا بالتزاماته تجاه شركائه، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم “.

وهكذا، تتحدد معالم الدبلوماسية الجديدة للمملكة. فبمناسبة زيارة جلالة الملك إلى روسيا، تم التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية معمقة. وبعدها بأيام، قام جلالته بزيارة مماثلة إلى الصين، وضعت خلالها الرباط وبكين، أسس شراكة متعددة الأبعاد تحمل آفاقا واعدة للبلدين الصديقين.

وفي نفس الاتجاه، ومع الهند هذه المرة، يجري استكشاف بخصوص إمكانية عقد شراكة بعيدة المدى. ففي نونبر الماضي، شكل حضور صاحب الجلالة الملك محمد السادس في القمة الهندية الإفريقية بنيودلهي مناسبة لفتح آفاق جديدة للتعاون الثنائي.

وينضاف إلى هذه الشراكات الجديدة، الميثاق الموقع مع عدد من البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة في إطار روح من التعاون جنوب – جنوب ملتزم ومتضامن وفعال. هذه العلاقات تستمد قوتها من الروابط الروحية التي جمعت دائما شعوب إفريقيا جنوب الصحراء بالمغرب.

وفي إطار هذا التوجه الدبلوماسي الجديد، والذي يشكل في حد ذاته، تحولا في السياسة الخارجية للمملكة، قام المغرب بالارتقاء بمستوى علاقاته مع بلدان الخليج إلى تحالف استراتيجي يجعل من التضامن والدفاع عن القيم المشتركة والوحدة الترابية محوره الأساسي.

وأكد جلالة الملك في قمة المغرب – مجلس التعاون الخليجي ” فرغم بعد المسافات الجغرافية، التي تفصل بيننا، توحدنا والحمد لله، روابط قوية، لا ترتكز فقط على اللغة والدين والحضارة، وإنما تستند أيضا، على التشبث بنفس القيم والمبادئ، وبنفس التوجهات البناءة. كما نتقاسم نفس التحديات، ونواجه نفس التهديدات، خاصة في المجال الأمني”.

هذا التحول الدبلوماسي الكبير لم يتم فقط من خلال اختيار شركاء جدد، بل تجسد أيضا عبر اتخاذ مواقف صارمة، شجاعة وملتزمة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا للمملكة، كما يشهد على ذلك الحزم الذي رد به المغرب على تحركات الأمين العام للأمم المتحدة في ما يتعلق بالوحدة الترابية للمملكة، وكذا التعامل مع قرار محكمة الاتحاد الأوروبي حول الاتفاق الفلاحي.

فقد كان موقف المغرب بخصوص هاتين القضيتين واضحا وجوابه كان قويا على انحرافات البعض، رافضا أن يكون موضوع لعبة مد وجزر أو أي تلاعب كيفما كان نوعه.

فبعد كل امتحان أو تحد، تخرج الدبلوماسية المغربية قوية بفضل ريادة ملكية أكدت على نحو متزايد خيارات سياسية واقتصادية ناجعة وقدرة على رفع التحديات المقبلة بثقة وهدوء.