دكار.. نقاش رمضاني على وقع فضيحة الذبيحة السرية

(بقلم: محمد الناصري من مكتب دكار)

دكار  – شكلت فضيحة الذبيحة السرية موضوع نقاشات لا تنتهي منذ مطلع رمضان الكريم بالعاصمة السنغالية دكار. فاللحوم غير الصالحة للاستهلاك التي تم حجزها مؤخرا بالسوق المحلية أثارت قلق المستهلكين، والساكنة التي تبحث عن بديل وجدت نفسها بين سندان لحوم الذبيحة السرية ومطرقة احتياجات هذا الشهر الكريم.

فمنذ تفجر القضية المتعلقة بتسويق لحوم الحمير من طرف جزارين عديمي الضمير يلجؤون للاحتيال لخداع المستهلك، احتدم النقاش بخصوص  إشكالية الذبيحة السرية والتدابير الواجب اتخاذها لتحسين منظومة المراقبة.

وجعلت خطورة المشكلة التي يطرحها بيع هذا النوع من اللحوم، والصعوبة التي تجدها المصالح المعنية لمواجهة هذا الاتجار غير المشروع ذي العواقب الوخيمة على الصحة العمومية، هذا النقاش يأخذ بعدا وطنيا لفرض مراقبة صارمة، وذلك بهدف وقف هذه الممارسات الاحتيالية.

وبلغت النقاشات حول الذبيحة السرية حد إثارة هلع الأسر، ما جعل سلسلة اللحوم الحمراء برمتها موضع مساءلة من طرف المستهلكين الذين باتوا أقل اطمئنانا ويحجمون عن الذهاب عند الجزار بسبب السلوكات غير الأخلاقية لبعض الجزارين الذين لا يجدون غضاضة في طرح لحوم الحمير للبيع في السوق المحلية.

ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد وجد باعة السمك والدجاج أنفسهم محظوظين أمام هذا الوضع، بالنظر إلى أن العديد من الأسر التي تبحث عن بديل، ولاسيما خلال شهر الصيام، بعدما قاطعوا اقتناء اللحوم الحمراء بشكل نهائي، فيما يطالب الجزارون الذين يحترمون معايير المهنة، مصالح المراقبة ببذل المزيد من المجهودات.

وفي هذا الصدد، تفاعلت السلطات العمومية على وجه السرعة من أجل فرض القيام بافتحاص لشركة تدبير مجازر السنغال بغرض تشخيص اختلالات المنظومة، في وقت تطالب فيه ساكنة العاصمة بتدخل المصالح المعنية لتفكيك شبكات ترويج الذبيحة السرية، ومحاربة هذه الممارسات الإجرامية.

ويبدو أن النداء الذي أطلقته الأسر جاء في وقته، لاسيما مع الارتفاع الفجائي لأسعار بعض المنتوجات، مثل السمك، خلال هذا الشهر الفضيل، ما يجعل شريحة كبيرة من السنغاليين غير قادرة عل اقتنائه.

وعلى مستوى سوق تيلين الشعبي، الأكثر شهرة بالعاصمة، تشكل ندرة بعض المنتوجات من قبيل السمك والبطاطس والبصل، تبريرا يقدمه بعض الباعة للأسعار المرتفعة.

وهكذا، أضحى هذا النقاش أكثر حدة، حيث تتساءل الساكنة لماذا تبرز هذه الممارسات التي تثير الكثير من الاستغراب، غالبا، بتزامن مع قدوم شهر رمضان.

وبالفعل، فخلال هذا الشهر الكريم الذي يتسم عادة بزيادة في حجم النفقات، يبدو جليا أن العديد من الأسر باتت تحجم عن استهلاك اللحوم الحمراء بالسوق المحلية. ويلجأ البعض، لتجاوز هذا المشكل، إلى اعتماد نظام غذائي نباتي مؤقتا، فيما يلجأ آخرون لاقتناء المنتجات الغذائية المجمدة لتلبية حاجياتهم.

ولاعتبارات تتعلق أساسا بالهضم، يتناول هؤلاء بعض المشروبات، لاسيما وأن بلاد التيرانغا تتميز بوفرة العصائر بأسعار في المتناول. عصائر يطفؤون بها عطش النهار عند لحظة الإفطار، وشيئا من الغضب الذي سببته فضيحة الذبيحة السرية.

ولا شك أن النقاش حول هذه القضايا المهمة يعد بناء جدا لإنضاج التفكير في التدابير الواجب اتخاذها ضد المحتالين، واستيعاب كون الذبيحة السرية لا تمس فقط بالصحة العمومية وإنما تكبد الاقتصاد الوطني خسائر لا يستهان بها.

وشكل هذا النقاش فرصة للتذكير بأن على الجميع العمل على إثارة انتباه أصحاب المتدخلين، على جميع مستويات سلسلة البيع، إلى كون شهر رمضان الأبرك هو محطة للتضامن والتقاسم يجب أن يتحلى التجار خلالها بالتسامح وحسن السلوك عوضا استغلاله للقيام بممارسات احتيالية أو الرفع غير المبرر في الأسعار.

كما أن الثقافة الإسلامية تؤكد على أن الصوم يشكل قبل كل شيء درسا في التواضع. التواضع الذي هو صفة من الصفات الإنسان الفاضل المتحلي بالمواطنة المسؤولة.