الغش في امتحانات الباكالوريا بمصر: من (البرشام) إلى (شومينغ) تعددت الوسائل والغش واحد

الحسين البوكيلي

القاهرة  – الغش عدو الاجتهاد ، لذا يلجأ غير المجتهدين وأصحاب المدارك المتواضعة للغش في محاولة منهم للوصول لمصاف المجتهدين ، وهي ظاهرة موجودة في قطاع التعليم، وتبرز واضحة على مستوى امتحانات الباكالوريا التي تعد محطة فارقة في مسار التعليم.

وبدأت ظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة ( الباكالوريا ) في مصر تشكل مصدر قلق منذ سنوات بالنسبة للأسر، خاصة وأن الظاهرة تطورت مقارنة مع ما كانت عليه من قبل عندما كانت وسائل الغش متواضعة تواضع التقنيات التي كانت متوفرة في تلك الحقبة.

وكان الغشاشون من التلاميذ يلجأون لحيل غش معروفة أشهرها (البرشام-البرشمانات) وهي قصاصات ورقية صغيرة الحجم يكتب فيها الممتحن ما يعتقد أنه أجوبة على أسئلة غير مستعد لها ، ويتم إخفاؤها في أماكن يصعب العثور عليها وفي نفس الوقت يسهل الاطلاع عليها عند الحاجة.

وكان مصطلح (البرشام) هو الرائج بين التلاميذ الغشاشين أيام قبل ما يسمى في مصر (ماراطون الثانوية العامة) فكان هؤلاء الغشاشون يعمدون إلى طرق مختلفة لخداع المراقب ونقل وتبادل ما “ادخروه” لهذا اليوم.

غير أن زحف التكنولوجيا وتطور وسائل التواصل من وسائل تقليدية إلى وسائل تقنية ووسائط التواصل الاجتماعي ، جعل الغش “يتطور” بدوره ، فأصبح التلاميذ يغشون بواسطة هواتفهم وبسماعات غير ظاهرة مما صار يربك الجهات المشرفة على الإمتحانات والمراقبين على السواء،ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المجدين والكسالى.

غير أن المستوى الذي بلغه الغش في مصر هذه السنة كان غير مسبوق ،عندما تم تسريب أسئلة بعض مواد امتحانات الثانوية العامة عبر شبكة التواصل الاجتماعي ووصل الأمر إلى خلق صفحات خاصة ب”الغش” أشهرها صفحة “شاومينغ”  أو صفحة (شامينغ بيغشش ثانوية عامة) ، على موقع إلكتروني يعلن عن تقديم “خدماته” غير المحمودة لتلاميذ كسالى يعتمدون الغش في بداية تعليمهم .

وقد ذهبت الجرأة بالقائمين على الموقع-كما كتبت إحدى اليوميات أمس- أن أعلنوا أنه سيتم تسريب امتحان اللغة الإنجليزية الذي كان مقررا أول أمس الأربعاء ب40 دقيقة قبل بدء الامتحان في تحد لوزارة التعليم ، وتوفير ثلاثة نماذج من الاسئلة وهي النوذج الاساسي والنموذجين البديلين.

غير أن امتحان أول أمس مر بسلام رغم بعض التسريبات التي نقلتها بعض وسائل الإعلام ، حيث أنها لم تكن في مستوى اليوم الأول عندما تم تسريب أسئلة مادة التربية الدينية قبل بدء الامتحان، مما دفع وزارة التربية والتعليم إلى إلغاء امتحان المادة وإعادتها يوم 29 يونيه الجاري.

وأمام خطورة هذه الوضعية التي تقضي على مبدأ تكافؤ الفرص، حيث ظهر طلاب وطالبات على شاشات قنوات تلفزيونية يتذمرون وينددون بما حصل لأنهم استعدوا طيلة السنة لهذا اليوم ثم يأتي من يسرق منهم مجهودهم ويتساوى معهم أو قد يفوقهم في التنقيط ، تبارى عدد من الكتاب ووسائل الإعلام في توجيه انتقادات حادة للوزارة خاصة بعد أن تم القبض على 12 من أطرها متهمين بالمشاركة في تسريب الأسئلة .

وذهب البعض  إلى اعتبار المسألة مسألة “امن قومي” يجب التعامل معها بكل ما يلزم من الحزم والشدة ومتابعة كل المتورطين وتقديمهم للعدالة، في ما اعتبر البعض الآخر أن الأمر يتعدى الغش في الامتحان وأنه ” إذا ما اردنا القضاء على ظاهرة الغش (…) فيجب ان يكون ذلك في اطار خطة قومية (…)تقوم في جوهرها على التصدي للفساد ومحاربة التسيب والاهمال ووقف كل صور الانهيار والتردي الاخلاقي والقيمي العام في المجتمع ولدى الصبية والشباب بالذات، وإعادة احياء دور الاسرة في التربية السوية وإعادة بعث دور المدرسة”.

ولامتصاص غضب الناس خاصة أولياء أمور التلاميذ “المجدين” ومواجهة هذه الظاهرة المقلقة وغير التربوية، قررت الحكومة اتخاذ جملة إجراءات لمواجهة الظاهرة.

وفي هذا الصدد اتخذت الحكومة عدة قرارات تهم تغيير نظام وأسلوب تداول الأسئلة والأجوبة في الثانوية العامة (الباكالوريا) عبر تشكيل لجنة من أربع وزرارات هي التعليم والدفاع والداخلية والعدل.

وقال وزير التربية والتعليم المصري ،الهلالي الشربيني، إن مجلس الوزراء قرر تغيير أسلوب الامتحانات ونظام القبول بالجامعات المصرية على المدى المتوسط الذي يقتضي الحصول على أعلى المعدلات .

وفي انتظار تنفيذ هذه الاجراءات والتأكد من مدى نجاعتها فإن أولياء الأمور والتلاميذ يأملون أن يتم وضع حد لهذا “التسيب” لأن الغش في الامتحان يعني تخريج “أطر فاشلة وغشاشة” لا يمكن للبلاد الاعتماد عليها.