الملكية الفكرية، مساهمة قيمة في النهوض بالحقل الثقافي

     – بقلم عفاف رزوقي –    

    الرباط – يحتفل المغرب، على غرار باقي دول العالم، باليوم العالمي للملكية الفكرية، الذي يصادف 26 أبريل من كل سنة، والذي يشكل الاحتفال به مناسبة لإبراز المساهمة القيمة للملكية الفكرية في النهوض بالحقل الثقافي والفنون والابتكارات التقنية والصناعية.

    ويشكل هذا اليوم العالمي، الذي اختير كشعار للاحتفال به هذه السنة “الإبداع الرقمي: إعادة ابتكار الثقافة”، مناسبة للاحتفال بدخول اتفاقية المنظمة العالمية للملكية الفكرية حيز التنفيذ سنة 1970.

    ويشكل الاحتفال باليوم العالمي للملكية الفكرية أيضا مناسبة للنقاش حول الطريقة التي تحدث بها المنتوجات الثقافية وتوزع وتستهلك في عصر “الويفي”، في الأسواق التي لم تعد لها حدود وطنية.

    وأمام هذه الثورة الثقافية والرقمية، فإن ضمان تعويض للفنانين والمبدعين، في نفس الوقت، عن عملهم ومقابل توظيف إبداعاتهم من طرف مستعملين محتملين، مع تشجيعهم هكذا على الابتكار والدفع بعجلة الإنتاج الأدبي والفني، يشكل تحديا ليس بالهين.

   وعلى صعيد المغرب، فإن المكتب المغربي لحقوق المؤلفين هو الذي يضطلع بمهمة وضع وتوزيع حقوق المؤلف بجميع أشكالها الحاضرة والمستقبلية.

   ويعنى هذا المكتب بحماية واستغلال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، كما يهتم بالفئات المهنية للمؤلفين ويمنح بالإضافة إلى ما سلف الترخيصات من أجل استعمال الرصيد المحمي.

   ووعيا منه بالدور الطلائعي لحفظ الملكية الفكرية في تحقيق التنمية والإبداع الثقافي والفني، التي تم ترسيخها في دستور 2011، فقد بذل المغرب، خلال الأعوام الأخيرة، مجهودات بارزة من أجل تأهيل المنظومة الوطنية للتدبير الجماعي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وتقوية وتحديث منظومة الحماية، مع إعادة النظر في ثقافة حق المؤلف والرفع من فاعلية المكتب المغربي لحقوق المؤلف.

   من جانب آخر، فقد تم تعزيز الترسانة القانونية المتعلقة بحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وذلك من خلال مصادقة مجلس الحكومة، بتاريخ 26 أبريل 2013، على مشروع القانون رقم 79 – 12 المتمم للقانون 00 – 02 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

   ويمكن هذا النص الجديد من تحديد المضامين القانونية المنظمة للحق في التعويض عن النسخة الخاصة ومن حماية مصالح مختلف المتدخلين، وخاصة منهم المؤلفون والمنتجون والفنانون المؤدون لأعمال صوتية وأخرى تتعلق بالفيديو.

   ويرمي التعديل المتعلق بمستحقات النسخة الخاصة إلى تجاوز الأحكام المسبقة التي خلقها عدد من المؤلفين وذوي الحقوق لتصاعد عمليات إعادة إنتاج الإبداعات المتمحورة حول الصوتيات والفيديوهات ذات الاستعمال الخاص.

   ويكمن الهدف من مشروع القانون هذا في النهوض بالإبداع ومواكبة التطورات التي ما فتئ يعرفها الحقل التكنولوجي والتي أدت إلى انتشار ظاهرة القرصنة، التي تشكل خطرا كبيرا على النظام العام ومصالح الدولة وأصحاب الحقوق، كما تمس عدة مجالات وأنشطة، وخاصة منها التسجيلات الصوتية والفيديوهات.

   وقد رصد القانون المغربي المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة عددا من التدابير ذات طابع عقابي في مقابل عمليات القرصنة أو مخالفات أخرى. وتضم هذه الإجراءات العقابية، على وجه الخصوص، إجراءات حمائية وعقوبات مدنية، إضافة إلى تدابير تتعلق بعقوبات في حالة تسجيل تجاوز في استعمال الوسائل التقنية أو تغيير معلومة على مستوى منظومة الحقوق.

   وفي نفس الإطار، قامت كل من وزارة الاتصال والمكتب المغربي لحقوق المؤلفين ببلورة برنامج يهم التحسيس والتوعية بالوسائل التقنية ذات الصلة بمراقبة عمليات القرصنة التي لا تضر فقط بذوي الحقوق على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وإنما كذلك بالمجالات التجارية والصناعية.

   ويعنى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، إلى جانب الملكية الفنية والأدبية (حقوق المؤلف والحقوق المجاورة) والملكية الصناعية التي تعد مكونا آخر للملكية الفكرية، بحماية الملكية الصناعية (علامات الصنع والتجارة أو الخدمات وبراءات الاختراع والرسوم  والنماذج الصناعية والإشارات الجغرافية والتسميات الأصلية).

   ويشرف المكتب المذكور أيضا على السجل المركزي للتجارة التي تسجل فيه المقاولات والشخصيات المعنوية والأشخاص ذوو الأنشطة التجارية على مستوى التراب الوطني.

   ويهدف هذا المكتب إلى تحقيق استعمال أفضل للملكية الصناعية والتجارية، وذلك في أفق جعله محفزا على التنافسية بين المقاولات ورافعة للابتكار  والإبداع.

   ويتمحور عمل المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية أيضا حول تحسيس وتكوين الفاعلين الاقتصاديين، ويتدخل أيضا في مجالات احترام الحقوق المحمية والرفع من قيمتها.

   وتبقى حماية الملكية الفكرية، في عالم في طور التحول، ضرورة لا محيد عنها، في أفق النهوض بالإبداع والابتكار وتحقيق التنمية الثقافية والاقتصادية والصناعية.