آخر الأخبار
قراءة النص الشعري الصوفي رهينة بخوض التجربة الذوقية الروحية (باحث مغربي)

قراءة النص الشعري الصوفي رهينة بخوض التجربة الذوقية الروحية (باحث مغربي)

الثلاثاء, 22 مارس, 2016 - 12:16

إدريس اكديرة
الرباط – قال الأستاذ محمد التهامي الحراق، الباحث المغربي في مجال الإسلاميات والتصوف والسماع، إن قراءةَ النص الشعري الصوفي رهينة بخوض الباحث فيه التجربة الذوقية الروحية.
وأوضح الأستاذ الحراق، في محاضرة ألقاها مؤخرا ضمن الجلسات العلمية للنادي الجراري بالرباط، حول موضوع “الشعر الصوفي بين خصوصية التجربة وأسئلة القراءة .. أعتاب ليس إلا”، أن النص الشعري الصوفي، المتدفق من معراج الروح في مقامات وأحوال معرفة الحق ومحبته، نص بملمحٍ صوفي ينتمي إلى التصوفِ من حيث هو رياضة روحية ومسار ذوقي يروم التحقق والترقي في مرتبة الإحسان.
وأضاف أن الكتابة الصوفية تتحد بغرضها ومعجمها وكيفية استعماله ثم مقصدِها الصوفي، مبرزا أن هذه العناصر الأربعةُ مجتمعة غير مجزأة هي التي يستمد منها النص الشعري الصوفي هويته، مؤكدا، في هذا السياق، ما لاستحضار الشاعر وتجربته الروحية من قيمة في تحديد هذه المقصدية، وبالتالي دوره الهام في تعيين هوية النص الشعري الصوفي وتوجيه قراءته وتأويله.
وقال، في هذا الصدد، “إن العلاقة بين تجربة الشاعر وتجربة النص علاقة عضوية، لكن ذلك لا يعني، بأي شكل من الأشكال، المماهاة العمياء بين حياة الشاعر وبنية النص، ما قد يفضي إلى إلغاء منطق النوع الأدبي، والوقوع بالتالي في شرك الانتقال الآلي من النص إلى نفسية الشاعر، مبرزا أن عضوية العلاقة بين تجربة الشاعر وتجربة النص هي أن كلا منهما لا يقرأ إلا في ضوء الآخر وباستحضاره، بحيث يضيء كل طرف الطرف الآخر ويستنير به، وذلك في علاقة جدلية يسهم فيها النص بشكل عضوي في بناء تجربة الشاعر الروحية، مثلما تحفر هذه الأخيرة آثارها على جسد النص.
وحول معالم العلاقة الجدلية بين الشاعر والنص في السياق الصوفي، قال الأستاذ محمد التهامي الحراق إن التجربة الصوفية ذهاب وجداني نحو المطلق، سفر في جغرافية المعنى الذوقي، سفر مقامات لا سفر مسافات، ومن ثمة فهي تشير إلى مراحل السير في طريق محبة الله ومعرفته.
وفي معرض تطرقه لسؤال الذوق في قراءة النص الشعري الصوفي، ذكر الأستاذ محمد التهامي الحراق بأن مدلول القراءة هنا يتجاوز ذلك الفعل البسيط الذي بموجبه يتجول البصر بين سطور المكتوب لاكتشافه والتعرف عليه، إذ القراءة هنا ترتبط بالتأويل، فهي محاولة فهم تنتظمها خلفية معينة تحدد إطارها ومرجعيتها وتضبط حدودها وآفاقها.
وانطلاقا من ذلك، يقول المحاضر، فإن أفق القراءةِ المقصود يَستند لعدة مقدمات بها يحتمي وعلى ضوئها يهتدي، مذكرا، في هذا الصدد، بأن النص الشعري الصوفي أفقٍ منفتح، يقبل بتعدد المقاربات، وبشرعية الاختلاف بينها، وبالتالي فهو يعترف بلا نهائية التأويل، لكنه يشترط تأطيره بمقصدية المؤلف، بشروط النص البنيوية وسياقه المخصوص. وهو ما يعني أن القراءةَ الملائمةَ للنص الشعري الصوفي هي تلكَ التي تلتزم بالعلاقةِ بينَ تجربةِ الشاعرِ وتجربةِ النص، مثلما تأخذ في اعتبارها خصوصية التجربة الصوفية، وتصاحبها في سفرها الشعري الصوفي.
وأضاف أن “القوم من أهل الصوفية ما فتئوا يؤكدون على حقيقة رئيسة وهي أن علمهم علم أذواق لا علم أوراق، لذلك فالصوفية يشرطونَ كل حكم على تجربتهم بضرورة خوضها، ويؤكدونَ على أن المفتاحَ الوحيدَ لفهمِ أحوالهم هو الذوق من مواجيدهم والارتشاف من معنى شرابِ هواهم، مضيفا أن علم الأوراق على أهميته وضروريته لا يفيد بمفرده في استكناه التجربة الذوقية التي تتخلق من رحمها نصوص القوم”.
وبخصوص سؤال اللغة في النص الشعري الصوفي؛ قال الأستاذ الحراق إن القوم تشج تجاربهم الروحيةَ علاقةٌ متوترة باللغة تنبع من تأكيدهم على أن تجاربهم الذوقية من صنف ما لا ينقال. إنها تخفي وتحجب مواجيدهم بدل أن تكشف وتعبر عنها.
تستدعي اللغة الشعرية الصوفية تأملا متعدد الأبعاد، يتعلق، بشكل خاص، بالعلاقة التي تؤسسها التجربة الصوفية مع اللغة سواء من خلال إلماعتها النظرية أو ممارستها الشعرية؛ ذلك أن شعراء القوم يؤكدون أن أسرارهم الروحية وتجلياتهم الذوقية هي من جنس ما لا ينقال، إذ لا يصفها وصف ولا يستنفدها حرف، ذلك أن أسرارهم وتجلياتهم تذاق ولا تعقل، ومن ثمة تكف اللغة في سياقهم أن تكون مرآة للمعنى أو مَعْبَرا عنه ومُعبِّرة عنه. إنها تكف أن تكون وعاء لمعنى ماثل، أو حاملا أمينا لكامل الأسرار وكامنها في دواخل العاشقين.
من هنا تفقد اللغة، في السياق الإشاري، يقول المحاضر، وظيفتها التواصلية، بل ربما تحولت إلى أداة للتغليط والتلبيس حجبا للسر الصوفي عن غير أهله، وصيانة له عن غير المكتوين بجمرته الروحية، وهي المغالطة التي يعللونها أيضا بالغيرة على أسرارهم أن تشيع بين غير أهلها.
وسجل الأستاذ الحراق، في هذا الصدد، كيف تتحول اللغة في السياق الصوفي من أداة تواصل إلى أداة حجب وتغليط، وهو ما احتفت به ببهاء اللغة الشعرية الصوفية ووسعته.
وقال إن اللغة في السياق الصوفي تصبح، في اللحظات الإشراقية العليا، فضاء تماسٍ برزخي بين مواجيد روحانية ومتعالية ولا مرئية ولا محدودة ولطيفة من جهة، وبين ذاكرة هذه اللغة المطبوعة بالتاريخية والنسبية والمحدودية والكثافة من جهة ثانية، مؤكدا أن هذا التَّماس هو الذي يخلق التوتر الشعري في هذه اللغة حيث تلوذ بالإشارة، من حيث هي لمحة دالة خفية، لتشير إلى بعض ما يتعذر قوله والإفصاح عنه بالعبارة.
وخلص الأستاذ محمد التهامي الحراق، في محاضرته، إلى أن قراءةَ النص الشعري الصوفي تتمنع وتتعذر كليا على من لم يخض التجربة الذوقية الروحية، وهو أمر لا يمكن القبول به؛ خصوصا في سياق الدعوة اليوم إلى الانفتاح على النص الشعري الصوفي لما يحتويه من قيم معرفية وجمالية وروحية ذات أفق إنساني وكوني مداره حول المحبة.
يشار إلى أن للأستاذ محمد التهامي الحراق عدة مشاركات فنية وإعلامية وعلمية في مجال المديح والسماع والموسيقى الصوفية داخل المغرب وخارجه، ومن مؤلفاته العلمية : “فن السماع الصوفي من خلال دراسة وتحقيق د. محمد التهامي الحراق لمخطوط +فتح الأنوار في بيان ما يعين على مدح النبي المختار+”، و”موسيقى المواجيد .. مقاربات في فن السماع الصوفي المغربي”، صدر عن منشورات الزمن سنة 2010؛ و”مقام التجلي في قصائد الصوفي أبي الحسن الششتري”، الصادر عن منشورات مهرجان فاس للمديح والسماع سنة 1998.
والنادي الجراري مؤسسة ثقافية أسسها سنة 1930 العلامة عبد الله الجراري (توفي سنة 1983)، وما يزال مستمراً في أنشطته الثقافية إلى اليوم بإشراف رئيسه الدكتور عباس الجراري.
ويعقد هذا النادي لطيلة أكثر من ثمانية عقود أسبوعيا وبانتظام جلسات علمية يرتادها ثلة من أعلام الثقافة العربية من داخل المغرب وخارجه، وأجيال متعاقبة من الأساتذة والباحثين الجامعيين، وطوائف متنوعة من الأدباء والفنانين.
ويواكب النادي الجراري في جلساته العلمية مجريات الحياة الثقافية المغربية، ويناقش قضاياها التاريخية والفكرية والأدبية والدينية في اتجاه دعم الثقافة المغربية الوطنية وترسيخ إشعاع المغرب الحضاري في حاضره وماضيه، وفي محيطه الإقليمي والجهوي، تثبيت مقومات الهوية المغربية القائمة على التعدد والتنوع في وحدة والتفتح على الآخر.
وتتمثل أنشطة النادي الجراري الثقافية في عقد ندوات علمية أكاديمية، وتقديم عروض تعالج ظواهر أدبية وفكرية ودينية أو تحلل مؤلفات مغربية، وإجراء مناقشات مفتوحة في المستجدات الثقافية، فضلا عن طبع ونشر مؤلفات مغربية، وقلما تخلو جلسات النادي العلمية من قراءات ومساجلات شعرية، ومناقشات نقدية في قضايا الشعر.

اقرأ أيضا

المغرب/الاتحاد الأوروبي .. التوقيع بالرباط على برنامج دعم التعليم العالي والبحث والابتكار والتنقل

الأربعاء, 3 يوليو, 2024 في 21:40

تم، اليوم الأربعاء بالرباط، التوقيع بين المغرب والاتحاد الأوروبي على برنامج دعم التعليم العالي والبحث والابتكار والتنقل بغلاف مالي يبلغ 490 مليون درهم.

تدريس اللغة الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين محور يوم دراسي بالرباط

الأربعاء, 3 يوليو, 2024 في 18:38

شكل “تدريس اللغة الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين: جدلية التعميم والتجويد” موضوع يوم دراسي نظمته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، اليوم الأربعاء بالرباط.

كرة القدم الشاطئية.. المغرب يتأهل لكأس إفريقيا للأمم 2024 بمصر

الأربعاء, 3 يوليو, 2024 في 17:23

أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، اليوم الأربعاء، عن تأهل المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم الشاطئية بشكل مباشر إلى كأس إفريقيا للأمم، التي ستجري خلال الصيف الحالي بمصر، بعد انسحاب نظيره الأنغولي من التصفيات المؤهلة لهذه المنافسات.

MAP LIVE

MAP TV

الأكثر شعبية