كورنتيس ببوينوس أيريس.. الشارع الذي لا ينام من زحمة المسارح والمكتبات

( بقلم هشام الأكحل )

بوينوس أيريس – شارع كورينتيس ببوينوس أيريس أو ما يعرف بالشارع الذي لا ينام.. إنه جادة الأضواء المتلألئة كأنه جزء من عاصمة الأنوار باريس، بين مسرح ومسرح هناك مسرح، وبين هذا وذاك هناك قاعات للسينما ومكتبات، فأينما يممت وجهك على طول الشارع تجد رمزا من رموز الثقافة والفن والأدب.
لا يتأفف الجمهور بمختلف شرائحه من طول فترات الانتظار في الطوابير الطويلة لمشاهدة العروض المسرحية حتى وإن كانت الساعة متأخرة فكل شيء يهون في سبيل أن يحظى المرء بالتمتع بلحظات أمام ممثلين يعشقون أداءهم وهم على خشبة المسرح.
وعند باب أحد المسارح يقول مارتين ماريلنو كامبيلونغو، أحد أشهر المسرحيين بالأرجنتين، إن “الحياة الثقافية بهذا البلد الجنوب أمريكي في حركية ودينامية دائمتين والناس مهووسة بالمسارح”، مبرزا أن فن الركح كان دوما في زهو متواصل بحكم الإقبال على المسرح بشكل كبير ويكفي أن تلقي نظرة لترى المسارح تتزاحم في هذا الشارع الواحد إلى جانب الآخر.
وليست المسارح وحدها من يصنع بهاء هذا الشارع، الذي ليله كنهاره لا يتسلل النوم إلى جفون مرتاديه إلا لماما، فالمكتبات بدورها لها عشاقها الأبديون فلا عجب أن تجد من يقضي ليله بحثا عن كتاب لخورخي لويس بورخيس أو خوليو كورتثار أو بابلو نيرودا أوماريو بينيديتي أو روبين داريو أو بارغاس يوسا أو غاربيرريل غارسيا ماركيث أو غيرهم من الأدباء والمبدعين الذين ألهموا أجيالا بأكملها مازالت تعشق الحرف والغوص في القراءة نثرا وشعرا حتى في زمن الصورة والعولمة.
وفي هذا الشارع الذي يحمل منذ سنة 1822 نفس اسم مدينة كورينتيس (شرق) تكريما لدورها في ثورة مايو الشهيرة، يستحيل ألا يجد القارئ ضالته في المكتبات التي تظل أبوابها مفتوحة حتى بزوغ الفجر لمن يستهويه سكون الليل وأجواؤه الملهمة.
ولا تكتمل بهجة الحياة الليلية والبوهمية في كثير من الأحيان بهذه العاصمة اللاتينية إلا بحضور حفل لرقصة الطانغو الشهيرة حيث الموسيقى والإيقاع ولغة الجسد تأسر الأحاسيس.
وما يزيد كورينتيس بهاء هو تلك المعلمة التي تعرف بالمسلة أو الأوبيليسكو والتي يعود تاريخ إنشائها إلى سنة 1930 بمناسبة الذكرى ال 400 لتأسيس العاصمة بوينوس أيريس، هي معلمة غدت اليوم رمزا تعرف به العاصمة ونقطة التقاء للفرح والحبور كما للتظاهر والاحتجاج والغضب.
في ليالي الصيف تتحول الساحات المجاورة للمعلمة إلى مسارح مفتوحة في الهواء الطلق تتراقص فيها الأجساد طربا على نغمات وصوت أشهر مغني الطانغو في العالم، كارلوس غارديل، ليطلق العنان للحلم والخيال تحت أضواء خافتة .. الكل يرقص مع ليلاه ليذوب في ما يشبه حالة الحلول عند المتصوفة.
في مدينة مثل بوينوس أيريس وتحديدا بشارع كورينتيس يمكن أن تجد من يحتسي فنجان قهوة أو يتجول بكل حرية حتى في ساعات متأخرة من ليل له ميزة خاصة بالعاصمة الأرجنتينية.
شارع كورينتيس ليس إلا تجليا لما هو عليه حال بلاد تعنى بالثقافة والأدب والمسرح والموسيقى والشعر فتكون النتيجة إبداعا وتميزا بصمته أسماء خالدة جعلت من بوينوس أيريس شعلة ثقافية تضيئ سماء الفن بأمريكا اللاتينية.