مريم جميل .. تشكيلية عصامية متشبعة بلغة الألوان وهوس العشق لتصميم الأزياء (بورتريه)

(بقلم : المصطفى الناصري)

بني ملال – مريم جميل من مواليد سنة 1971 بمدينة سلا، ترعرعت وعاشت بمدينة خريبكة، فنانة تشكيلية عصامية تشبعت بلغة الألوان منذ طفولتها، وبحكم هوس عشقها وتكوينها في مجال تصميم الأزياء تمكنت من أن تبدع وتلج إلى عالم التشكيل عبر بوابة وقنطرة تصميم الأجسام ولغة الألوان.
وسكنت هذه الفنانة، التي تنحدر من أسرة مغربية مهاجرة بين إيطاليا وليبيا وتونس، بلغة الألوان التي أحبتها وتعلقت بها منذ صغرها حين ولجت المدرسة الفضاء الأرحب الذي عشقت فيه الفن وعالم تصميم الأزياء الشيء الذي دفعها إلى ولوج مجال التكوين المهني حيث توج هذا العشق بحصولها على دبلوم في تخصص تصميم الأزياء التقليدية والعصرية.
وتتميز طبيعة أعمال مريم جميل التي مثلت المغرب مؤخرا بمدينة مدنين التونسية في إطار معرض تشكيلي مغاربي، بلغة فنية وجمالية لا تخلو من لغة الاستعارات اللونية والثوبية مشكلة من أجسام وأجساد ثوبية منحوتة من عوالم فنية قابلة للعديد من القراءات وتوليد الدلالات، كما تتشبع دوما في العديد من لوحاتها بلغة ترابية مجسدة بذلك المرأة المغربية المتشبعة بعوالمها الداخلية وموروثها الثقافي الشعبي والفني.
ولم تمنع عصامية هذه الفنانة، التي شاركت في العديد من المعارض الوطنية الجماعية منها والفردية، من أن تلج عالمي الألوان وتصاميم الأزياء كقنطرة مرور لقيمة فنية تشكيلية دالة وخاصة بها، وتدخل عالم الكبار في المجال حيث سيتم تكريمها بمدينة الدار البيضاء بمناسبة 8 مارس صحبة مجموعة من الفنانات التشكيليات.
ولا تخفي هذه الفنانة أن سر نجاح مسارها الفني، المفعم بذكريات ولحظات مضيئة في حياتها وتجربتها التشكيلية، تأتى، فضلا عن إصرارها وعزيمتها على كسب رهان التحدي والنجاح في أعمالها، بفضل تشجيع ومساندة أسرتها الفنية وخاصة شريك حياتها الفاعل في الحقل الجمعوي والسينمائي، حيث أن مشاركتها إلى جانب زوجها في العديد من الملتقيات السينمائية الدولية والوطنية ساهم بقسط وافر في صقل مواهبها وانفتاحها على تجارب فنية أغنت مسارها التشكيلي والفني.
وقال الإعلامي والناقد الفني مصطفى الصوفي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن تجربة الفنانة التشكيلية المغربية مريم جميل تعد إحدى التجارب النسائية المضيئة في الجهة، وذلك بالنظر إلى لوحاتها، التي تشكل سفرا ممتعا ومشوقا في جغرافيات ساطعة ومشرقة يطبعها لون الأديم تارة، وحينا آخر لها لون الأرض والتراب والسماء حيث يستنشق فيها اللون عبق ذكريات ويكون الفن التشكيلي في حضرتها جذبة لونية بقطع ثوبية تعاد لها الحياة من جديد.
وأضاف الصوفي، في قراءة نقدية لأعمال مريم جميل، أن لوحات الفنانة العصامية تمثل رقصات إبداعية تخلق المتعة البصرية وعالما يعطي للعين فرصة انزياح القراءات والتأويلات وفيض أنساق تشكيلية لها الكثير من الدلالات السيمائية الراقية، كما استطاعت أن تزرع الروح في العديد من القطع الثوبية وتمنحها تألقا فنيا لا تمل منه العين، وذلك من خلال لمساتها المؤثرة، التي تضفي رونقا خاصا على مختلف أعمالها التي تنضح بفيض من العلامات وتفصح عن رغبة أكيدة في البحث عن لمسة إبداعية أنثوية خاصة ومتفردة في عالم الألوان.
وأكد أن تجربة هذه الفنانة التشكيلية تعتبر واحدة من التجارب التشكيلية المغربية التي ترسم بوضوح خطوطا بارزة من أجل ترسيخ بصمة نسائية تشتغل على المتلاشيات الثوبية لتعيد إليها الروح من جديد، وعلامات فنية تعبر عن أحاسيس وطقوس الفنانة في خصوصية فنية خالصة تلامس الممكن والمحال والمستحيل.
من جانبه، قال الفنان التشكيلي ورئيس مهرجان حديقة الفنانين بخريبكة محمد تايرت إن ما يشد الانتباه في أعمال الفنانة مريم جميل هو طبيعة الأجسام الملونة وطريقة تلوينها، وبعدها التجريدي، الشيء الذي يضفي على لوحاتها قوة التشكيل اللوني وبلاغته الإيحائية المشحونة بطاقة روحية تذكر تداعياتها وشذراتها بمقام الرغبة في التقاط اللحظوي والعابر واللامرئي.
وكان الفنان التشكيلي الفلسطيني أحمد أبو الكاس أكد، بمناسبة معرض للفنانة مريم جميل أقيم في تونس، أن الفنانة التشكيلية مريم جميل تتفنن وتبدع في تناولها لعنصر اللون والملمس والرمزية العالية في توزيع عناصرها باحتراف رائع وبرؤيه تشكيليه حديثه مريحه بصرياً وفنياً وتشكيلياً، كما أن استخدامها لعنصر اللون المشتق وبعدها عن الألوان الأساسية يدل على تمكنها من أدواتها الفنية حيث استطاعت أن تخلق فلسفه خاصه للوحه تخاطب بها الحس الإنساني الكوني.
ويبقى صوت مريم جميل صوتا تشكيليا إضافيا للمشهد الفني محليا وجهويا ووطنيا، خاصة وأن طبيعة ما تقوم به من أعمال فنية تشكيلية يشكل قيمة مضافة إلى عوالم التشكيل المغربي، وتبقى المرأة المغربية هي الرابحة في كل ما ينتج من أعمال فنية على امتداد أرض الوطن.