كندا : خط أنابيب النفط “إنيرجي إيست”، نقطة خلاف عميقة بين الأقاليم الغربية الغنية بالنفط وكيبيك

كندا : خط أنابيب النفط “إنيرجي إيست”، نقطة خلاف عميقة بين الأقاليم الغربية الغنية بالنفط وكيبيك

الخميس, 28 يناير, 2016 - 11:44

بقلم حسن العامري

مونريال – في الوقت الذي تضع فيه حكومة جاستن ترودو من مكافحة التغيرات المناخية أولى أولوياتها من أجل تلميع صورة كندا، التي اهتزت دوليا بسبب سياسة المحافظين الذين كانوا من أشد أنصار استغلال الوقود الأحفوري، يأتي مشروع خط أنابيب النفط “إنيرجي إيست” للشركة النفطية “ترانس كندا” ليخلط الأوراق، ويثير جدلا قويا بين إقليم كيبيك والأقاليم الغربية الغنية بالنفط.
وعلى الرغم من أن شركة “ترانس كندا” تؤكد بأن خط أنابيب نقل البترول الذي يبلغ طوله 4600 كم والذي سينقل النفط الخام من ألبرتا وساسكاتشوان (غرب) الى مصافي التكرير في شرق كندا والمحطات البحرية في نيو برونزويك عبر كيبيك، سوف يولد الآلاف من الوظائف والفرص الاقتصادية الملموسة على طول خط هذا المشروع، فإن هذه الحجج لم تنجح، على ما يبدو، في إقناع المسؤولين الكيبيكيين الذين ما زالوا يعارضونه، لأنه يشكل، حسب رأيهم، مخاطر بيئية متعددة من دون أن يجلب فوائد اقتصادية كبيرة للإقليم.
وفي الوقت الذي يتفق فيه الجميع على أن 2016 ستكون سنة محورية في المجال البيئي، يعتقد الكثير من المراقبين أن حكومة ترودو سيكون لديها الكثير مما يجب عليها القيام به، خصوصا في ظل الجدل القائم حول هذا المشروع، خاصة وأن الحكومة الكيبيكية التي يقودها فيليب كويار أعلنت عن قرارها إطلاق دراسة حول خط الأنابيب الذي تقدر تكلفته بنحو 7ر15 مليار دولار.
وفي هذا الإطار، أشار وزير البيئة والموارد الطبيعية بكيبيك، بيير أركاند، إلى أن مكتب الجلسات العلنية حول البيئة سيقوم بإجراء تقييم للمشروع، من دون أن يحدد موعدا لذلك، مع العلم أن هذا المكتب لا يتوفر على أية دراسة حول أثر المشروع بعد أن رفضت شركة النفط تسليمها إلى وزارة البيئة بكيبيك.
وفي هذا الصدد، وعد السيد أركاند بأن دراسة “هادئة ودقيقة” ستقوم بها لجنة مستقلة لدراسة الفوائد الاقتصادية لخط الأنابيب خصوصا في ما يتعلق بتصدير البترول المستخرج من الرمال النفطية إلى الأسواق الأوروبية والهندية .
ومع ذلك، فإنه يجب معرفة كيفية إجراء هذا التقييم البيئي لأهم مشروع أنابيب نقل البترول بأمريكا الشمالية، وذلك في الوقت الذي لا يسمح فيه رأي مكتب الجلسات العلنية حول البيئة لحكومة كويار سوى بتكوين فكرة قبل أن تقدم موقفها الرسمي في جلسات الاستماع التي ستنظمها أوتاوا من خلال المكتب الوطني للطاقة.
وعلى الرغم من أن شركة “ترانس كندا” تؤكد بأن مشروع “إنيرجي إيست” سيجلب مداخيل تبلغ مليارات الدولارات لفائدة البلديات والأقاليم وسيساهم خصوصا في تقليص اعتماد الشرق الكندي على النفط الخام المستورد، فإن رفض المشروع، يوم الخميس الماضي، من قبل مجموعة بلديات مونريال أثار ضجة كبيرة لدى المسؤولين ونواب المقاطعات الغربية.
وهكذا، ففقد أعلنت مجموعة بلديات مونريال، التي تتكون من 82 مدينة تضم ما يقرب من أربعة ملايين نسمة، على لسان رئيسها دينيس كودير، عمدة مونريال، أن هذا المشروع يمثل مخاطر كبيرة على البيئة وانعكاساته ضئيلة على اقتصاد المنطقة، كما أنه لا يحترم المخطط الحضري للتهيئة والتنمية، إذ يمر عبر الغابات والأراضي الرطبة والمناطق الزراعية.
وبعدما أكد أن مجموعة بلديات مونريال ستدافع عن موقفها في إطار المشاورات المقبلة مع مكتب الجلسات العلنية حول البيئة والمكتب الوطني للطاقة، خلص السيد كودير إلى أن المشروع “لن يحصل على نقطة التأهيل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمن العمومي”.
من جهتهم، شرع مسؤولو المناطق الغربية المهتمين بإقامة مشروع خط أنابيب نقل البترول في إطلاق هجماتهم بمجرد الإعلان عن هذا القرار للرأي العام، إذ أعرب وزير التنمية الاقتصادية والتجارة بإقليم ألبيرتا، ديرونس بيلوز، عن أسفه لكون قرار عمدة مونريال “يفتقر إلى الرؤية”، مضيفا أن شعب ألبرتا يساهم في مكافحة التغيرات المناخية بالرغم من أنه يواجه تحديا كبيرا يتمثل في انخفاض أسعار النفط.
من جانبه، انتقد بريان جان، زعيم المعارضة في ألبرتا، السيد كودير متهما إياه بنهج “ازدواجية الخطاب”، ومؤكدا في الآن نفسه بأن هذا المشروع سيفيد جميع المناطق الكندية وسيؤدي إلى نمو الناتج الإجمالي المحلي للبلد بنحو 55 مليار دولار.
وهو نفس الموقف، الذي عبر عنه رئيس وزراء ساسكاتشوان، براد وول، الذي طلب، عبر حسابه بموقع تويتر وبأسلوب ساخر، من رؤساء البلديات بمنطقة مونريال استرجاع حصتهم من مبلغ 10 مليار دولار التي تشكل مساهمة الأقاليم الغربية.
من جانبه، أعرب رئيس الوزراء الكيبيكي، فيليب كويار، عن أسفه من التصريحات التي أدلى بها السيد وول، مشيرا إلى أنها لا تهدف سوى إلى “إثارة العداء بين الجهات والأقاليم في البلد”، وواصفا الموقف الذي اتخذه رؤساء بلديات مونريال ب “الشرعي”.
وقال بهذا الخصوص أن “كيبيك ليست مجبرة على القول بنعم لإينرجي إيست لمجرد رفض مشاريع خطوط أنابيب خارج كندا مثل “كيستون إكس إل”.
من جهتها، لم تفوت المعارضة على المستوى الفيدرالي هذه الفرصة من دون أن توجه سهام انتقاداتها إلى حكومة ترودو، حيث اعتبرت الرئيسة بالنيابة لحزب المحافظين (معارضة)، رونا أمبروز، الاثنين الماضي أمام مجلس العموم، أن هذا الرفض “يضر بوحدة البلاد”، مطالبة من السيد كودير أن يعيد النظر في القرار الذي تم اتخاذه بخصوص المشروع وذلك بناء على “الدراسات العلمية” بدلا من “معطيات السياسة المحلية “.
كما ساءلت، أيضا، السيد ترودو إذا كان على إلمام ب “افتقاره للقيادة بخصوص هذه القضية التي من شأنها أن تخلق انقسامات” في البلد، مطالبة إياه بأن يدافع عن مشاريع خطوط أنابيب.
من جهته، أكد السيد ترودو بكل هدوء أن حكومته ستتشاور مع الأقاليم والمدن والمجموعات المحلية لضمان وجود “قبول اجتماعي” و”موافقة السكان” على أي مشروع خط أنابيب.
وفي محاولته للتهدئة، عقد السيد ترودو ، يوم الثلاثاء الماضي، لقاء مع السيد كودير أعلن على إثره أن فريقه الحكومي سيتصرف ك”حكم مسؤول” في هذا الملف، مشيرا إلى أن شركة “ترانس كندا” يجب أن تحصل على موافقة المجتمعات المحلية لإقامة المشروع، وأن تقنع المواطنين بضرورته وإثبات أنه “في مصلحة الجميع.”
وفي هذا السياق، أوضح ترودو أن دور أوتاوا يكمن في وضع عملية للتقييم البيئي “واضحة وصارمة وشفافة” التي من خلالها يمكن لشركة (ترانس كندا) أو أي شركة أخرى أن تثبت أن أي مشروع نفطي يكتسي صبغة المصلحة العامة وأن يحظى بموافقة الكنديين، مضيفا أن هذه العملية ستمكن أيضا المواطنين والحكومة والعلماء والخبراء والشعوب الأصلية المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بهذه القضايا.
وعلى الرغم من هذه الملاحظات، أحدث تقرير صادر عن مفوضة البيئة والتنمية المستدامة، جوليا غيلفاند، يوم الثلاثاء الماضي، ضجة، مؤكدة أن خطوط الأنابيب التي تخضع لإشراف الحكومة الاتحادية غير مراقبة بشكل جيد من طرف المكتب الوطني للطاقة كما أنه ليس هناك تتبع كاف للتأكد من تنفيذ الشركات البترولية لالتزاماتها المتعلقة ببناء خطوط أنابيب نقل البترول.
وأوضحت أن المكتب الوطني للطاقة “لا يراقب بشكل ملائم مدى احترام الشركات للشروط المفروضة خلال الموافقة على مشاريع خط الأنابيب”، مشيرة إلى أن المكتب لم يجر المتابعة اللازمة وبشكل فعال بعد الموافقة على المشاريع في نصف الحالات التي تمت دراستها (24 حالة من أصل 49).
وبعد هذه الخلاصات المثيرة للقلق وردود الفعل المحيطة بمشروع “إنيرجي إيست”، ستكون الأسابيع والأيام المقبلة حاسمة بالنسبة لحكومة ترودو من أجل إيجاد حل لهذه القضية والتوفيق بين التنمية الاقتصادية بصفة آمنة ومسؤولة، والتنمية المستدامة القائمة على مكافحة الاضطرابات المناخية والتي تشكل جزءا أساسيا من الالتزامات الدولية لليبراليين.

اقرأ أيضا

فاس: تكريم الكاتب والمخرج المسرحي محمد الكغاط

الأحد, 30 يونيو, 2024 في 18:20

كرم ثلة من المثقفين ورجال الأدب من فاس وخارجها، السبت، الكاتب والمخرج المسرحي محمد الكغاط، بمناسبة الذكرى ال23 لوفاته، تكريما لذاكرة مبدع استثنائي بصم الساحة الثقافية المغربية.

مراجعة مدونة الأسرة.. الإحالة الملكية تضع حدا للتأويلات الدينية الفردية (فاعلة جمعوية)

الأحد, 30 يونيو, 2024 في 12:16

أكدت رئيسة جمعية “أيادي حرة”، ليلى أميلي، أن الإحالة الملكية لبعض المسائل الواردة في مقترحات اللجنة المكلفة بالنظر في مدونة الأسرة، على المجلس العلمي الأعلى، “تضع حدا للتأويلات الدينية الفردية التي لا تراعي الواقع وتطورات المجتمع”.

المهندس دعامة أساسية في بلورة الاستراتيجيات الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة (السيد أخنوش)

السبت, 29 يونيو, 2024 في 21:52

أكد رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، اليوم السبت بطنجة، أن المهندس يعتبر دعامة أساسية في بلورة الاستراتيجيات الوطنية التنموية وتحقيق التقدم والتنمية المستدامة.