سنة 2015.. محطة بارزة في مسار الانخراط المغربي الإيفواري لفائدة استدامة الشراكة الثنائية النموذجية

أبيدجان- شكلت سنة 2015، التي تشارف على نهايتها، محطة بارزة من الانخراط الدائم والموصول لفائدة توطيد الشراكة “النموذجية” التي تربط بين المغرب وكوت ديفوار، البلد الشقيق والصديق العزيز لدى كل المغاربة.

فبالنظر إلى تقاسمهما نفس الرؤى في إطار مقاربة براغماتية منسقة للتعاون جنوب جنوب الناجح، وكذا لمواجهتهما لنفس التحديات في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بدت الرباط وأبيدجان خلال السنة الجارية أكثر عزما من أي وقت مضى للعمل من أجل استدامة هذه العلاقات العريقة ورفعها إلى مستوى أعلى.

وبفضل تبصر وحكمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، يتقدم المغرب وكوت ديفوار بخطوات واثقة نحو الإقلاع الاقتصادي المنشود، مع الحرص على ترجمته على أرض الواقع عبر مقاربة مبتكرة ومندمجة للتنمية المشتركة، تضع الفرد في صلب اهتماماتها وتجعله فاعلا رئيسيا لا غنى عنه في التنمية.

وفي إطار هذا الزخم، تميزت سنة 2015 بتعزيز المكاسب الديمقراطية في كوت ديفوار، لا سيما في ظل أجواء الهدوء والشفافية التي أجريت فيها الانتخابات الرئاسية في 25 أكتوبر الماضي، والتي أسفرت عن إعادة انتخاب الحسن واتارا على رأس البلاد.

وشكلت إعادة انتخاب الحسن واتارا، القوي بحصيلة اقتصادية مرضية جدا، موضع إشادة وترحيب من قبل المملكة باعتبارها تشكل ضمانة لاستمرارية العمل الجبار المنجز في إطار الشراكة المغربية الإيفوارية، وكذا لكونها فرصة غير مسبوقة لإعطاء دينامية جديدة للعلاقات الفريدة والعريقة التي تربط الشعبين الشقيقين والصديقين وبين صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس الإيفواري.

وفي سياق هذه التعبئة المستمرة للبلدين من أجل تعاون مثمر، تميزت سنة 2015 بزيارة تاريخية، مطلع يونيو الماضي، لصاحب الجلالة الملك محمد السادس لكوت ديفوار مرفوقا بوفد وزاري ورجال أعمال وفاعلين اقتصاديين، شكلت مناسبة أكد فيها المغرب، مرة أخرى، التزامه، في إطار التضامن الأفريقي، بالانخراط في جهود إعادة بناء كوت ديفوار، البلد العازم على أن يكون في الموعد مع الإقلاع انطلاقا من سنة 2020.

وحملت هذه الزيارة الملكية الأخيرة للكوت ديفوار، على غرار الزيارتين السابقتين اللتين قام بهما جلالة الملك لهذا البلد سنتي 2013 و2014، الكثير من الأمل بالنسبة للإيفواريين الذين يقدرون مبادرات جلالته لفائدتهم حق قدرها.

وشهدت إقامة جلالة الملك بالعاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار التوقيع على ما لا يقل من عشرين اتفاقية تعاون وشراكة في مجالات مختلفة بين البلدين بما يمكن من توطيد واستدامة أكبر لهذه الشراكة النموذجية، ومن ثم إعطاء أمل كبير للشعب الإيفواري، الذي يخصص، في كل مرة، وبمشاعر صادقة، ترحيبا حارا لجلالة الملك معبرين عن كبير التقدير والاحترام لجلالته.

فعلاوة على إطلاق العديد من مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتسليم هبة عبارة عن أدوية لفائدة الأشخاص المعوزين والمرضى، أعطى جلالة الملك والرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، انطلاقة أشغال مشروع ضخم ذي أبعاد اجتماعية واقتصادية وبيئية وحضرية، ويتعلق الأمر بمشروع حماية وتثمين خليج كوكودي في قلب العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار.

ويستفيد هذا المشروع الضخم من الكفاءات الافريقية، لاسيما المغربية والإيفواري، وهو ما يعكس نهج التنمية المشتركة الجديدة التي تعزز التعاون جنوب جنوب.

ويهم هذا المشروع إنجاز سد ومنشآت هيدروليكية وبحرية، وإنشاء البنيات التحتية الطرقية، ومنشآت الولوج وقناة، فضلا عن إنجاز مارينا وحديقة حضرية ومسالك مجهزة للتجول.

ويعد هذا المشروع، في رأي الجميع، كما يؤكد رئيس الإدارة الجماعية لوكالة مارشيكا- ميد المطورة للمشروع ، السيد سعيد زارو، رمزا لإفريقيا ديناميكية، وأكثر إشعاعا ومنفتحة على المستقبل.

ويؤكد هذا المشروع قناعة مفادها أن المملكة تملك الخبرة والمهارات اللازمة للاضطلاع بدور شريك ذي مصداقية وذي خبرة ومتميز لكوت ديفوار.

ولم يكن اختيار المملكة والثقة الكبيرة التي وضعت فيها وليد الصدفة، وإنما يتعلق الأمر بثمرة سنوات طوال من الشراكة، التي وضعت أسسها من قبل الراحل فيليكس هوفويت بوانيي، الأب المؤسس لكوت ديفوار وجلالة الملك الراحل الحسن الثاني، الزعيمين الإفريقيين الكبيرين اللذين كانا يتقاسمان نفس الرؤية حول قارة مستقلة تسير في طريق النمو.

ومن هذا المنطلق تم اختيار المغرب كضيف شرف الدورة الثالثة لمعرض الفلاحة والمنتوجات الحيوانية، الذي استضافته العاصمة الإيفوارية من 3 إلى 12 أبريل الماضي تحت شعار “تعزيز الاستثمار الفلاحي المستدام”.

وترجم هذا الشرف بزيارة وفد كبير برئاسة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، والذي تألف، بالخصوص، من وزير الفلاحة والصيد البحري السيد عزيز أخنوش وشخصيات أخرى.

ويترجم عمق العلاقات الثنائية أيضا باختيار المملكة كضيف شرف الدورة الخامسة للمعرض الدولي للسياحة بأبيدجان، الذي شارك فيه وفد كبير من المكتب الوطني المغربي للسياحة ومن الفاعلين السياحيين والفندقيين المغاربة.

كما نظمت بعثات لفائدة الفاعلين الاقتصاديين من البلدين، الذين شاركوا المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري الذي نظم في مراكش في يناير الماضي تحت شعار “المغرب- كوت ديفوار: حركية دينامية الصعود المشترك”، وذلك بمناسبة زيارة الرئيس واتارا للمملكة بدعوة من جلالة الملك.

وشارك المغرب، أيضا، مشاركة متميزة في أشغال المنتدى الأول للجالية الإيفوارية بالخارج عبر وفد هام ضم الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، أنس بيرو، الكاتب العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف.

كما شكل تدشين الرئيس واتارا، في العاشر من أبريل الماضي، لطريق سريع يحمل اسم الملك محمد السادس، تربط مدينتي أبوبو وأنياما، حدثا بارزا يعكس قوة ومتانة العلاقات المغربية-الإيفوارية.

وفي كلمة بالمناسبة، أشاد الرئيس الإيفواري بعلاقات الصداقة والأخوة التاريخية التي تجمع بين المغرب وكوت ديفوار، معربا عن تمسك بلاده بشخص الملك محمد السادس وهو ما يجسده إطلاق اسمه على هذا الطريق السريع.

هكذا إذن يبرز أن المغرب وكوت ديفوار، المعتزين بانتمائهما إلى القارة الإفريقية وبتقارب وجهات نظرهما حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، يتقدمان بخطوات ثابتة لتحقيق تعاون جنوب جنوب نموذجي لما فيه مصلحة البلدين مبني على الاستدامة، مع القطيعة مع الاساليب والمقاربات التقليدية للتنمية والتعاون المشترك ليكونا بذلك نموذجا يحتذى على الصعيد الافريقي.

( مراسل الوكالة بكوت ديفوار :سمير لطفي)